صحافة اليرموك

٢٠٢٤ كانون الأول ١ _ ١٤٤٦ جمادى أول ٢٩ الأحد 8 للتواصل مدير التحرير رئيس التحرير المسؤول د . علي الزينات د. خالد هيلات الإخراج الصـحـفي ليث القهوجي 6913 فرعي 02 7211111 : ت أسبوعية ـ شاملة تصدر عن قسم الصحافة ـ كلية الإعلام ـ جامعة اليرموك صحافة اليرموك 0797199954 sahafa@yu.edu.jo الأخيرة بـالإرادة والعزيمة بدأت أم حمزة مــشــوارهــا فــي عــالــم الـخـيـاطـة حيث كانت لا تملك أي موهبة أو خبرة أو حتى معرفة في هذا المجال. ومـــن قميص قـديـم مـعـلّّــق على ا قــــــــة» بــجــانــب الـــشـــبـــاك قـامـت «عل ّا بــانــتــزاعــه مـــن مــكــانــه وبــــــدأت بفكه قـــطـــعـــة قـــطـــعـــة، وأخـــــــذت الــقــمــاش المقطوع وقامت برسم تصميم على كيس قمامة أسود وقصته وشبكته بالخيطان، كانت هذه البداية الفعلية لـمـشـروع أم حـمـزة عـلـى الــرغــم من فشلها بالمحاولة الأولـى لكن بفضل عـزيـمـتـهـا الــقــويــة فــقــد تـعـلـمـت فن الـخـيـاطـة بنفسها دون لـجـوئـهـا إلـى أي جـهـة تعليمية، واسـتـطـاعـت أن تؤسس العلامة التجارية الخاصة بها. تـــقـــول أم حـــمـــزه «بــــــدأت أتـعـلـم كيف أوســع القماش وأزيـــد الخيوط وأقــــوم بنقلها عـلـى قـمـاشـة وأركـــب القميص،» استمرت بالمحاولة مرة ثانية وثالثة إلى أن أصبح عملها متقنا بشكل كامل. مــــن أهـــــم الـــســـمـــات الـــتـــي تـمـيـز عملها التزامها بالتطريز التقليدي والـملابـس التراثية الأصيلة وتطبق افكارًًا مبتكرة وتحولها لأرض الواقع، إذ تفضل دائما تطريز اللباس التراثي حتى لو كان الموديل من عالم الخيال ممثلة بذلك حبها لثقافتها وبلدها. ساعد المشروع أم حمزة بشكل كبير فـي تحسين أوضاعها الأسرية لأبنائها الأربــعــة ســـواء كــان ذلــك في التعليم أو في الحياة الكريمة التي وفرتها لهم، ومع مرور أكثر من ثلاثين عـامًًــا مـن عملها فـي مجال الخياطة حصلت أم حمزة على دعم رمزي من منظمة كير العالمية لتحديث ماكينة الخياطة وبعض المواد الأخرى. يعمل اليوم معها في مشروعها أبناؤها الأربعة الذين اكتسبوا الخبرة الواسعة في مجال الخياطة والتطريز والــتــي تعتبرهم جــــزءا لا يـتـجـزأ من نجاحها، قائلة «أولادي وبناتي الذين درستهم تصميم الأزياء يطرزون معي الأثــواب ويـديـرون المشروع لضمان ســـرعـــة الــتــســلــيــم لـــلـــزبـــائـــن ولــســت بحاجة أيدي عاملة من خارج منزلي.» تعد أم حمزة واحـدة من النساء الناجحات اللاتي وضعن بصمة خاصة فــي مـجـال الـخـيـاطـة، فـقـد استمرت عـلـى رأس عـمـلـهـا الـمـتـفـانـي لـمـدة عـامـا دون تـوقـف، حُُلمها الكبير 37 أن تنشئ دار أزياء ومصنع للخياطة لتكون جزءا من عالم الموضة وتسهم فيه، كما تحلم أيضا بتأسيس جمعية لتمويل المشاريع النسائية وتقديم الـــدعـــم لــهــن فـــي هــــذا الــمــجــال لكن بحسب قولها الإمـكـانـيـات مـحـدودة وتقف عائقا أمام تحقيقها له. اســـتـــطـــاعـــت أم حـــمـــزة بـجـهـدهـا وإصــــرارهــــا أن تـصـنـع اســمــا لـهـا في عــالــم الــخــيــاطــة والأقـــمـــشـــة، وتـثـبـت للمرأة الأردنية مهما كانت التحديات أنـــهـــا قـــــــادرة عـــلـــى تــحــقــيــق أحلامـــهـــا وطموحاتها. قصة مصورة ࣯ ج رادات ولمى العتوم � فرح ي رموك- � صحافة ال أم حمزة.. من خيوط الحلم إلى أزياء المستقبل ࣯ صحافة اليرموك- دانة داود القرنة في زقاق مدم ّّر وضيق في غزة، حيث تتداخل أصوات الأطفال مع أصوات القصف والانفجارات البعيدة، ومــا بين صـرخـة وأخـــرى، يقف شـاب ليحمل هاتفه ويوثق تصاعد أعمدة من الدخان تتجلى في ألوانها القاتمة بين الرمادي والأسود قصص الألم والدمار والإبــادة التي يتعرض لها أبناء شعبه. أصـبـحـت هـــذه الــصــور والــفــيــديــوهــات التي يلتقطها هو وآخرون شاهد عيان حي يفتح نافذة للعالم ليبث من خلالها موتهم وواقعهم المرير بالبث الحي والمباشر على الشاشات من خلال هواتفهم. عندما تتلاشى أضـواء الكاميرات التقليدية، يتقدم هذا المواطن ويتحول من مواطن عادي إلى «مواطن صحفي»، ليوثق لحظات الموت، وتصبح كـل صـــورة وكــل مقطع فيديو يصوره جزءا من سرد صغير لحكاية أكبر يشاركها على منصاته عـلـى مــواقــع الـتـواصـل الاجـتـمـاعـي أو يرسلها إلـى الفضائيات لتبثه للعالم الصامت أملأ في تحرك أو تحول من حالة المفعول به إلى الفاعل. كيف وثّّق المواطنون الصحفيون في غزة جرائم الاحتلال؟ يـسـيـر مــؤمــن بــحــذر بــيــن الأنـــقـــاض وجـثـث الشهداء المبعثرة هنا وهـنـاك، وسـط أصـوات الانفجارات التي تزلزل الأرض وتقض المضاجع، في ظل الدمار والقصف المتواصل الذي يشهده قطاع غزة من آلة القتل الصهيونية، كانت عيناه ا ًا تبحثان عن أي شيء قد يوثق هذه المأساة امل في أن تحقق شيئًًا مرجو ًًا في وقف ما يحصل. يخر ُُج مؤمن إلى ساحة المستشفى ويتكرر المشهد، تأتي سيارة الإسعاف محملة بجثث الشهداء الم ُُمزقة وبعض الإصابات المتفاوتة، لكن ما يلفت انتباهه هذه المرة هو شاب في مقتبل العمر يحمل هاتفه ويصور ما يجري من أحداث بواسطة هاتفه النقال. كان مؤمن، أحد العاملين في مستشفيات غزة، شاهدا على هذا الدور الحيوي الذي لعبه هـؤلاء المواطنون، فقد رأى بعينيه كيف كانوا يتنقلون من بين ركام المباني المدمرةِِ، وسط الدماء والأشلاءِِ، مصممين على توثيق كل ما يجري من جرائم إسرائيلية بلا هوادة. يقول مؤمن إن المواطنين الصحفيين كانوا في البداية، متواجدين في المستشفيات طوال الــوقــت، يـخـرجـون لتغطية الأحــــداث فـي مكان الحدث مباشرة، مستخدمين سياراتهم الخاصة المجهزة لأعمال التصوير الصحفي. ولـكـن بـعـد فــتــرة، أصــبــح هـــؤلاء الـمـواطـنـون الصحفيون مستهدفين من قبل قوات الاحتلال، ويشير مؤمن إلــى أن ذلــك جعلهم مضطرين للتنقل مـع طـواقـم طبية وســيــارات الإسـعـاف لتغطية الأحداث. ومـــع تـــزايـــد الــخــطــر والاســـتـــهـــداف الـمـبـاشـر للصحفيين، قل عدد الصحفيين الذين يخرجون لتغطية الأحـــداث، «لأن الخطر زاد كثيرا وصار استهدافا للصحفيين»، يقول مؤمن. يـــوضـــح مـــؤمـــن أن تـغـطـيـة الاحــــــداث كـانـت تتم بعد إجلاء المصابين والشهداء من موقع القصف أو الاسـتـهـداف، مشيرا إلــى أنــه وعلى الرغم من أن هؤلاء المواطنين الصحفيين لعبوا دورًًا كبيرًًا في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية، إلا أن التغطية الإعلامية قلت بعد فترة. ولكن مـا أثـــار ملاحـظـة مؤمن هـو أن غالبية هؤلاء المواطنين ليسوا متخصصين في الإعلام، بل انخرطوا في هذا العمل لأهداف مختلفة. كيف أصبح الهاتف جسر ًًا للإنسانية؟ البارحة كانت سابين عزيز تسير بحذر بين الأنقاض، تسترجع الذكرى الأولى لحصار آليات القتل التي فرضها جيش الاحـتلال الإسرائيلي، الـذي استمر لمدة يومين متواصلين لس ُُكان حي الصبرة في غـزة، لم يكن حصارًًا عاديًًا، بل كـان مشهدًًا من الرعب، الـذي تخللته أصـوات إطلاق النار وقذائف المدفعية التي لم تتوقف طوال اليومين، ليلا ونهارًًا. تصف سابين ذلك المشهد قائلة «كنا نشعر بالبيت يهتز بين الضربة والأخرى، لكن في لحظة غفلة، اهتز المنزل بشكل غير عادي، كأنه يُُقتلع من الأرض،» متابعة، فجأةًً، وبعد لحظات من الـمـوت والـقـتـل الـمـتـكـرر، هـــدأت الأصــــوات، لم تختف تمامًًا، بل ابتعدت كأنها صـدى يتلاشى فـي الأفـــق، تـاركـة خلفها صمتًًا مــروعًًــا يعكس فظاعة ما ستشهده تلك اللحظات. تسير سابين وهي تحاول أن تتفادى الجثث المبعثرة التي تروي قصصا مؤلمة عن الفقدان والمعاناة، أصــوات الانفجارات لا تفارق آذانها، تتردد كصدى للألم الذي يعيشه، في ظل الدمار الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية، كانت عيناها تبحثان عن أي شيء يوثُُق هذه الكارثة، أملا في أن تصل أصـواتـهـم إلــى عـالـم قـتـل الـنََــزيـف به الضمير. تخرج سابين من بيتها بحذر، ويدها ترتجف مـن هـــول مـا شـعـرت وأحـس ََــت بــه فـي لحظات الموت تلك، تََنظر الـى الأعلى، الطابق العلوي من منزلها مدم ّّر بالكامل، وكأنما قصفه الموت بنفسهِِ، فـي الــشــوارع، تتناثر جثث الشهداءِِ، 70 نساء وأطفال ورجال، عددهم يقدر بحوالي جثة، وكل واحدة منها تحمل قصة مأساة. مشهد مـؤلـم يــتــراءى أمـــام نـاظـري سابين، ا تــــرى «الــــــكلاب والــقــطــط تنهش تــســيــر قـــلـــيلًا الأجـــســـاد، تـأكـل مــا تبقى مــن أحـشـائـهـا، بينما تركت دبـابـات الـعـدو أثــار جنازيرها على جثث الـشـهـداء الـطـاهـرة»، هـل يمكن لهذا المشهد الذي التقطته بهاتفها ان يحرك العالم؟، تتساءل سابين. تلتقط سابين لحظات من الرعب عبر كاميرا هاتفها، مـحـاولـة توثيق مـا يـجـري، عـازمـة على «إيـصـال الحقيقة إلـى كـل من يسعى لفهم ما يحدث في غزة». في لحظة من لحظات الحياة الطبيعية، التي يُُحاول أهل غزة انتزاعها من بين أنياب الموت، كـانـت سابين مـع والـدتِِــهـا فـي المطبخ تـعـدان ما تيسر لهما من طعام يسد جوعهما، وبينما كانت تقل ّّب الطعام، شعرت فجأة بقوة تدفع ُُها نحو الأرض، ارتطمت بها بكل ثقلها، كما لو كانت قوة القذيفة التي سقطت على بعد أمتار قليلة من بيتها. جـاهـدت سابين لتستعيد تـوازنـهـا، وبيدها بـــدأت تـزيـل مـا عـلـق بوجهها مـن أشــيــاء رطبة ولزجة، وما إن أدركت أن تلك كانت آثار أشلاء ودماء ٍٍ، حتى هرعت مسرعة نحو مكان القصف، حافية القدمين، تحمل هاتفها بيدها. «أشلاء الجثث تطاير علينا من قوة الصاروخ، وأنـــا وقـعـت على الأرض، رحــت ألتقط الـجـوال وأصور حافية القدمين»، قالتها بصوت يختلط فيه الذهول بمرارة ما رأته. تقول سابين «عندما وصلت ُُ، شاهدت ثلاث جثث ٍٍ، عـبـارة عن قطع لحم متناثرة، مشهد لا يمكن تصديقه. تعجز الكلمات عن التعبير عن الفاجعة التي عاشتها سابين، معتبرة أن صور هذه الفاجعة «لا تزال عالق ًًة في ذهني، ولا تخرج من خيالي». تشير سابين إلى أن ما جعلها تحمل هاتفها لتصوير ما يحدث هو لتوثيق بشاعة الاحتلال وما يُُمارسه من قصف وقتل للمواطنين الأبرياء، كانت تشعر بأن هذه اللحظات، رغـم قسوتها، يجب أن تُُسجل، لتكون شـاهـدة على معاناة شعبها ولتصل أصواته ِِم إلى العالم. تـرفـض سابين «رفـــع الــرايــة البيضاء وتـرك هاتفها»، على الرغم مما تعيشه من «ضغط وخبط وفقدان وتدمير»؛ غير أنها «تحمد الله ولم تفقد الأمل أبـداًً، حتى لو استمرت الحرب لعشر سنوات أخرى،» على حد تعبيرها. سابين، حالها ككل مواطن في غزة، تحملت فرد ًًا 15 عبء الفقدان الذي لا يرحم، حيث فقدت من الأصـدقـاء والأهــل، ومـن بينهم أخيها الذي استُُشهد فـي خ ِِــضـم هــذه الـحـرب المتوحشة. في إحدى زياراتها له في المقبرة، كانت تتذكر لحظاتهما مـعًًــا، تسترجع ذكـريـات ضحكاتهما وأحلامهما التي تحطمت ولكن، وبينما كانت تجلس ُُ، لفت ََت انتباهها عائلة مرت بالقرب منها. لم يكن لديهم جُُثة، بل كانوا يحملون أكياس ًًا بلاستيكية، بــدت سابين متفاجئة، فتابعتهم بنظراتها، وكأن فضولها يجذبها نحوهم. تسلل حديثََهم إلــى آذانــهــا، وكـــأن الكلمات تتسلل بخجل وسط صمت المقبرة المهيب. سمعت أحدهم يقول: «هاتوا خواتي ندفنهم هـون مع بعض»، فـبـدأوا في مناولة الأكياس وإنزالها برفق إلى القبر، في تلك اللحظة، أدركت سابين أن الأكياس كانت تحمل أشلاء الشهداء، وأن كل واحد منها يحمل قصة إنسانية مؤلمة. لم تكن تلك الكلمات أو الحدث شيئا غريبًًا، إذ وثّّــقـت بهاتفها عــدة مـــرات أحــداثــا مشابهة تـذكـرت فيها كيف أن القلوب مـمـلـوءة بـالألـم والقهرِِ، بينما كانوا يحملون الأكياس وينزلونها في القبر، «وكأنهم يدفنون جـزءًًا من أرواحهم معهم.» لحظات الموت التي و ُُثق ََت بكبسة زر في خ ِِضم أيـام النزوح التي عايشتها مُُيسر أبـــو شـنـب لـعـشـرة مــــرات، م ُُــصـمـمـة جـرافـيـك وموشن جرافيك، كانت تعاني هي وعائلتها من أجواء قاتمة تخللها الخوف والقلق، استطاعت م ُُيسر من خلال هاتفها توثيق بعض اللحظات المتباينة، إذ تخلََل معرض الصور على جهازها ب ِِلحظات من الخوف والقلق ِِ، إلى جانب لحظات أخرى مشبعة بالأمل، الامل الذي تحاول م ُُيسر التشبث به بِِكل قُُوتِِها، ففي كل ص ُُورة حاولت توثيق لحظات من الحياة في أحلك الظروف. في رحلة النزوح الثالثة التي عايشتها م ُُيسر وعائلتها، اشتد القصف على منطقة الصبرة، ا أقـل خطرًًا يؤويهم في شمال ولم يجدوا منزلًا مدينة غزة، لذا قرروا النزوح إلى جنوب القطاع، خ ِِلال الرحلة، التي تخللتها استهدافات للنازحين ن ــــه آمـــن الـــذي يـربِِــط � فــي الـطـريـق الـــذي يََــزع ُُــم أ الشمال بالجنوب، بدأوا «بكتابة أسماء الأطفال على أيديهم، حتى إذا ضاع الطفل أو است ُُشهد او استشهدت عائلته ُُ، تقل جمرة نار الفقد بمعرف ََة م ََصيره»، لم تنتظر م ِِسك دورها، فسارعت إلى أختها الصغيرة لتََخ ُُط اسمها الثلاثي على يََدها «م ِِسك أُُسامة أبو شنب.» وفـــي حـــدث مـشـابـه، وثـقـت كـامـيـرا م ُُيسر لحظة مؤلمة لطفلة مـن العائلة تُُــدعـى نـدى، «ندى والحركة اللاإرادية التي تفعلُُها عند سماع صـــوت الـقـصـف»، كـانـت نــدى تُُغلق آذانــهــا في مـحـاولـة لتخفيف وطــــأة صـــوت الـقـصـف الــذي تسببه الـطـائـرات الحربية الإسـرائـيـلـيـة، تقول ميسر إن هذه الصورة كانت جزءًًا من أرشيف عائلي، الت ُُقطت قبل مأساة النزوح ِِ. لكِِن الأشـد من ذلـك، هـي تلك الصورة التي التقطتها كاميرا مُُيسر لفُُتحة كبيرة في جدار منزل نتجت عن قذيفة، لم ينته الحدث هنا، إذ وبفعل هذا القصف، تطايرت فروة رأس جاره ِِم من تلك الف ُُتحة تحديد ًًا، وعلى بعد أمتار قليلة، شهداء ع ُُزل من نفس المكان، بينما 6 انتُُشل ظل ض ِِعفََهُُم تحت الأنقاض دفنوا تحت براثِِن الموت. تـقـول ميسر إن كــل طـفـل فــي غـــزة يحمل قـصـة، وكــل عائلة تقاسم هــذا الطفل جـــزءا لا يتجزأ من هـذه القصة، تستذكر هـذه المقولة وهي تسرد قصة صورة لطفل صغير نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، «انتابتني مشاعر مختلطة من الدهشة والقلق، فقد كان الشبه بينه وبين ابن أخي م ُُــذهلا لدرجة أنني شعرت برعشة في قلبي،» تقول ميسر. تتابع سـردهـا للقصة كانت الاتــصــالات ُُ، في تــلــك الــفــتــرةِِ، نـــــادرة، وكــانــت قـلـوبـنـا مشغولة بالقلق. كيف يمكن أن يكون هناك طفل بهذا الشبه الكبير، بينََما ابـن أخي بعيد عنا؟ كانت مشاعر التوتر تتصاعد، لكننا تمكنا من تهدئة أنفسنا عندما تأكدنا أن ابن أخي بخير. ومـع ذلــك، تقول ميسر إن الطفل الآخــر لم يكُُن م ُُجرََد صورة عابرة، بل كان له عائلته التي تخاف وتُُريد الاطمئنان عليه، تماما كما كنا نحن نطمئن على ابن أخي. على ه ََذ ِِه الأرض ما ي ََستح ِِق الحياة ب ََين ز ََخ ََات المناشير التي ت ََدعو س ُُكان مناطق معينة إلى الاخلاء لاستقبال «ألعاب نارية» من نوع خاص، «إلى سكان القرارة، خربة الخزاعة، عــبــســان، وبـــنـــي ســـهـــيلا. عـلـيـكـم الإخلاء فــــورًًا والتوجه إلـى الملاجئ في رفــح»، تصف ميسر هــذا المشهد قائلة «كـأنـهـم يـــوزعُُـــون كتيبات سياحية لا تحذيرات، استمتعوا بإجازََتِِكُُم، لكن لا تنسوا أخذ امتعتكم، فـالأرض تحت أقدام ِِكُُم أصبحت ساحة معركة.» تـقـول ميسر «ص ََنعنا مِِــن هََــــذِِه المناشير طـائـرات ورقية وتجاهلنا الأمـــر»، كأننا نًًرس ُُلها إلـــى الـسـمـاء لنُُبعد الـتـهـديـدات الـتـي تََحملها بََــعـيـدًًا، وأثــنــاء مُُراقبتها وتََــوثـيـق تراقصها في الهواء، وثقت كاميرا م ُُيسر بعد دقائق قصف ًًا في المنطقة «لذا اضط ُُروا على النُُزوح م ِِن ج ََديد». ومــــع اســـتـــمـــرار «زََخـــــــات الــــرصــــاص ِِ، صـــوت الـزنـانـة، قـصـف الــطــائ ِِــرات والـمـدافـع، وج ََــنـازيـر الـــدبـــابـــات ِِ،» الــتــي تــصــدع بـــالأُُف ُُـــق وص ََـــداهـــا لم يََنقطع م ُُنذ سنة ويََزيد، يََقف الامل أمام ميسر كأََن ََه الشيء الوحيد الم ُُتبقي ِِ، م ُُوثق ًًا على ه ََواتف هؤلاء المواطنين كأنها ص ُُور ملونة داخل عالم اكتست فيه الصور باللونين الأسـود والرمادي فقط. وثََقت مُُيسر بهاتفها «الاحتفال بمحصول الم ُُلوخيِِة التي زََرعوها خ ِِلال أزمة الطعام التي مرت، خوف ًًا من مجاعة قد تََحصل كما ح ََدث في ش ََمال غ ََزة»، واصفة هذا الاحتفال بالإِِنجاز الذي قد يُُنقذ حياتهم من شبح الجوع ِِ، لكن ليس من الموت الذي ي ُُحيط بهم. «الـخ ُُــصـوصـيـة فـي الـخـيـام ِِ» عـنـوان اختارته ميسر لصورة كانت قد التقطتها لفتاة جميلة، وهي تُُخرج رأسها من فتحة م ُُمزقة م ِِن ج ِِسم الخيمة، بينما تلمع عيناها وابتسامتها تََش ُُق وُُجههََا الجميل، وحََـــول وََجِِهها تََظهََر أصابعََها الصغيرة ج ِِــدًًا وأََطـــراف شعرها البني الجميل، وتصف تلك الفتاة قائلة «كأنََه ُُن يََسرق ِِن لحظة أمــل م ِِــن بين أنـيـاب الـمـوت أو مـن ب ََــيـن ظ ِِلال القتل الذي ي ُُحاصرهن.» تـقـول ميسر إن لـديـهـا ابـنـة أخ استطاعت جزءا م ِِن الق ُُران خلال الحرب ِِ، وأتمت 18 حفظ الح ِِفظ في يوم ميلاد ِِها الث ّّاني عشر،» معتبرة أن تصويرها لأهـل الله وخـاص ََــتِِــهِِ، أهـل الـقُُــران ِِ، لنظهر للعالم أنه ليس غ ََريب ًًا على أهل غزة الذين ي ُُثب ِِتون أن الايمان والم ََعرفة لا ب ََديل له ُُما حتى في أوقات الحرب الم ُُميتة. مع ك ُُل ضغطة على زر الكاميرا، تتكرر مشاهد الموت والدمار لتروي ق ِِصة تكون ب ِِمثاب ََة شهادة على جرائِِم الاحتلال ِِ، وفي ك ُُل لحظة تمر تتزايد مشاعر اليأس والأمـل في آن واحـد، الأمـل في أن تصل صرخاتهم إلى آذان العالم الأصم، وأن يدرك ََوا فظاعة ما يحدث. لكن الـواقـع يـفـرض نفسه بـقـوة، فكلما زاد التوثيق والتغطية، زادت الـمـخـاطـر، إذ أصبح المواطن الصحفي هدفًًا كما الصحفي العادي ّّ، ومع ذلـك، لا يـزال يتقدم ويتنقل بين الأنقاض مُُصممًًا على نقل الحقيقة، ليس لشيء لكن ليثبت للعالم أنـه كـان يُُقتل وعائِِلته وشعبََه بالبث الحي والمباشر دون أن يُُحرك الأمر في هذا العالم ولو حتى شعرة. مواطنو غزة الصحفيون.. حين أصبحت هواتف الغزيين أجهزة كاشفة للموت وشاهدة على جرائم الاحتلال عبود بطاح أحد المواطنين الصحفيين في غزة من أعمال أم حمزة

RkJQdWJsaXNoZXIy NTAwOTM=