٢٠٢٤ كانون الأول 15 _ ١٤٤٦ جمادى الآخرة 14 الأحد 4 شرفات ࣯ ي رموك– دانية محمود � صحافة ال في ظل استمرار الظروف السياسية المؤلمة في عالمنا العربي وبالتحديد في قطاع غزة، ومع استمرار المجازر التي يرتكبها الاحـــتلال، رافق ذلك تفاوتا في تفاعل المواطنون مع ما يجري، ومع الأخبار التي تنقل تلك الأحداث الدامية. وتـبـايـنـت مـسـتـويـات اهـتـمـام الـجـمـهـور في الـتـطـورات المتعلقة بالحرب على قـطـاع غـزة، وهـــو مــا يثير تــســاؤلات عــديــدة حـــول الأسـبـاب وراء هذا الانخفاض، خصوص ًًا في قضية تعتبر محط اهتمام لجميع العرب، فهل السبب هو تغير أولويات الجمهور، أم الملل والإرهـاق من الأحـداث المستمرة، أم اعتياد المشهد؟ وهل لخوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي دور؟ ويرجع رئيس تحرير موقع سرايا الإخباري مصعب عليوة تراجع اهتمام الجمهور بقراءة الأخـبـار المتعلقة بالحرب على صفحة الموقع عبر منصات التواصل الاجتماعي، خاصة موقع فيسبوك، إلى إغلاق الصفحة ثلاث مرات التي كانت تحتوي على أعداد كبيرة من المتابعين. وأكّّـــد رئـيـس تحرير مـوقـع عـمـون الإخـبـاري عــبــدالله مـسـمـار عـلـى تقييد مــواقــع الـتـواصـل الاجتماعي للحسابات التي تنشر أخبارًًا متعلقة بــالــحــرب، وخــصــوص ًًــا الــمــنــشــورات الــتــي تضم كلمات تختص بـالاحـتلال الإسرائيلي وتدينها، مضيفا أن الـصـفـحـات الـخـاصـة بـمـوقـع عمون على مواقع التواصل الاجتماعي تعرضت لعدة تقييدات. قالت آية قرقش إنها لم تتابع أخبار الحرب منذ الشهر الأول مـن الـعـام الحالي، والسبب هو عـدم قدرتها النفسية على المتابعة لهول الأحـــــداث وصـعـوبـتـهـا، وبـسـبـب التعتيم الــذي أصبح يصاحب الأخبار. ووض ّّحت أن أسلوب تقديم الأخبار لا يعتبر من العوامل التي ساعدت في انخفاض المتابعة في القنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية. وبــيــنــت قـــرقـــش أن الانـــشـــغـــالات الـحـيـاتـيـة والاجـتـمـاعـيـة مـــن أبــــرز الأســـبـــاب، إضـــافـــة إلـى الشعور بالعجز عن تقديم المساعدات، فيضطر الجمهور للابتعاد عن متابعة الأخـبـار لتخفيف الشعور بالعجز والإحباط. وقال يوسف الجعبري أن آخر مرة تابع أخبار مــن هـــذا الــعــام، لافتا 9 الــحــرب كـــان فــي شـهـر إلى أن أسلوب تقديم الأخبار ليس من أسباب انـخـفـاض الـمـتـابـعـة، فيجب تقديمها بطريقة واضحة وبسيطة توض ّّح الأحداث الجارية. وأشــــــار الــجــعــبــري لـــــدور وســـائـــل الــتــواصــل الاجتماعي كأحد أهم أسباب انخفاض المتابعة على قنوات التلفزة والمواقع الإخبارية، لوجود صـحـفـيـيـن داخـــــل قـــطـــاع غــــزة يــقــومــون بنشر الأحــــداث بشكل مُكثف وتغطية الأحــــداث عن طريق صفحاتهم الشخصية على الإنستغرام والفيس بوك وغيرها. و أضــــاف الـجـعـبـري أن مـــن الأســـبـــاب أيـض ًًــا خــوارزمــيــات هــذه التطبيقات الـتـي تقف أمـام تغطية الصحفيين مـن خلال حـذف صفحاتهم الـشـخـصـيـة أو مــحــتــواهــم الــــذي يــحــتــوي على كلمات تخص الحرب. و وض ّّــحــت سـجـى حـامـد أنـهـا آخـــر مــا قامت بمشاهدته عـن أحـــداث الـحـرب هـو حـرق خيام النازحين، والسبب هو الحالة النفسية السيئة وعدم اهتمام رؤساء الدول بإيجاد حلول جذرية وإيقاف إطلاق النار. وقـالـت حامد إن عـدم المتابعة ليس دليلا على اعتياد المشهد، وإن الشعوب مع القضية الفلسطينية قلبًا وقالبًا، ولكن التخاذل أصبح اعتياديًا. وأكــــدت حــامــد أن أغــلــب الـمـتـابـعـيـن أصبح مصدرهم الرئيسي هـو أهــل القطاع أنفسهم والصحفيين المتواجدين في غزة. وأشارت حامد إلى أن الانشغالات الاجتماعية ليست مبررًًا لانخفاض المتابعة لأنه أصبح من السهل الوصول للأخبار في أي مكان وأي وقت عن طريق الهاتف أو الراديو، معتبرة أن لوسائل التواصل الاجتماعي دورًًا كبيرًًا ساعد في نشر الأحــــــداث عـلـى مــــدار الــســاعــة، وعــلــى اخـــتلاف أعمار المشاهدين، لسرعتها وبساطة إيصال المعلومات فيها. وقال محمد الظاهر إنه لم يتابع تطورات الحرب منذ أسـبـوع تقريبًًا، والسبب هـو المتطلبات والانشغالات الاجتماعية والاقتصادية التي تجبر الإنسان على الاستمرار بالسعي حتى لو على حساب إنسانيته. وأشار الظاهر إلى أن انخفاض المتابعة دليل على اعتياد الشعوب بسبب مخططات الغرب ونجاحهم في توجيه بوصلة الشعوب العربية إلــى التركيز فـي الأمـــور الدنيوية فقط، مشيرا إلى أن أسلوب تقديم الأخبار بالشكل التقليدي والمعتاد لا يعتبر سببًًا لانخفاض المتابعة. وقالت روتانا القدومي إنها فقط تتابع الأخبار العاجلة ولا تتطرق لمعرفة التفاصيل، ويعود السبب لطول المدة الزمنية. وقالت القدومي إن تراجع الاطلاع على أخبار الحرب يعتبر قلة ضمير لدى المشاهدين وأن الانـــشـــغـــالات الاجـتـمـاعـيـة أحـــد أهـــم الأســـبـــاب، فأصبح الأغلب يكتفي بالدعاء لأهالي غزة دون البحث عن التفاصيل. وأكــدت القدومي على اعتياد المشهد لدى الجمهور، وأصبحت المشاهد لا تؤثر كما كانت تؤثر في أول الحرب، إلى جانب الشعور بالعجز من أهم الأسباب، فيضطر المشاهد للابتعاد عن مشاهدة الأحداث لتجنب الشعور بالعجز. وأضافت القدومي أنها تلاحظ تعتيما وتضليلا للأخـبـار المتعلقة بالحرب، ويعتبر سببا لقلة المتابعة، مشيرة إلــى اخـــتلاف انتشار الأخبار منذ أول الأحداث إلى الآن، فالآن أصبح الجمهور يبحث عـن الأخــبــار، فهناك حـد لانتشار الأخبار المتعلقة بالحرب على المواقع، عكس انتشار الأخبار في بداية الحرب. من جانبه، قال اخصائي علم النفس الدكتور مراد البوات إن من أبرز الأسباب النفسية التي تؤدي إلى انخفاض متابعة الجمهور للأخبار أثناء الحرب هو القلق والتوتر الناتج عن نتائج الحرب مّا يؤدي للإحباط. وأضـــاف الـبـوات أنــه عند مشاهدة الأحـــداث الكارثية أثناء الحرب يتولد لدى الإنسان القلق إزاء ما يحدث لأشقائنا في قطاع غـزة، ويعتبر الإنسان كتلة من المشاعر والأحاسيس، فعند تعرضه للمشاهد المؤلمة يتولد لديه الإحباط فيضطر لتجنب الأخــبــار حتى لا يشعر بالقلق والإحباط والتوتر. واشــار البوات إلـى أن تجنب متابعة قنوات الـــتـــلـــفـــزة والأخـــــبـــــار لـــمـــدة زمـــنـــيـــة طـــويـــلـــة هـو استراتيجية لتجنب الشعور بالمشاعر السلبية والـــســـيـــئـــة، مــشــيــرا إلــــى أنــــه بــعــد الـمـلـحـوظـة والتحري تبين أن أغلب الفئات التي قلت لديهم نسبة المتابعة هي فئة الشباب -تحديد ًًا- حيث تختلف المناعة النفسية تبعًًا للفئة العمرية وطبيعة تجارب الحياة والخبرات التي يمر بها الفرد، لذلك كلما زادت خبرة الشخص في الحياة وازدادت تـجـاربـه كلما أصـبـح يمتلك المناعة النفسية، والعكس صحيح. وبين البوات العلاقة التكاملية بين الصحة النفسية والتعرض للأخبار السيئة فكلما تجنب الإنسان الأخبار التي تؤدي للإحباط كلما حافظ على صحته النفسية، وكلما تعرض لأخبار ونتائج مبشرة كلما ارتفعت المعنويات وزاد الإقبال على المتابعة. واعتبر الـبـوات أن الإعــام يلعب دورًا كبيرًا في جـذب رغبة المشاهد، وأن الأخـبـار الكاذبة والمضللة تؤثر على الرغبة في متابعة الأحداث، مؤكدا أن الإنسان عندما يتعرض لأخبار كاذبة، من الطبيعي أن يتسبب له ذلك بالخوف والهلع والإحباط، كما شهدنا حالة الخوف التي سيطرت على المواطنين الأردنيين في وقـت تهديدات الـدول المجاورة لبعضها، حيث يقع الأردن في موقع متوسط ضمن محيط ملتهب. وأكــد أن هـذا الـخـوف أمـر طبيعي، لأن ردود الــفــعــل لــــدى الإنـــســـان وهـــرمـــون الأدريــنــالــيــن الـمـسـؤول عـن الـخـوف يُُــفـرز بشكل كبير عند التعرض لأخبار سيئة، على عكس تعرضه لأخبار صادقة وحقيقية ومن مصادر موثوقة. وأشـــــار الـــبـــوات إلـــى أســالــيــب عـلـى وسـائـل الإعــــام اتـبـاعـهـا لإعــــادة جـــذب انـتـبـاه الجمهور مـن الناحية النفسية، مثل المونتاج وعـرض الأخـــبـــار بـطـريـقـة إبــداعــيــة، إضــافــة إلـــى امـتـاك الصحفي لـمـهـارات تــواصــل صحيحة وطريقة تقديم بأسلوب إيـجـابـي، مـع التقليل مـن بث الأخبار السلبية وزيادة الأخبار التي تبعث الأمل والتفاؤل، مّــا يرفع معنويات الجمهور، منوها بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب الفأل الحسن، وكان يقول: «بشروا ولا تنفروا». لذا، كلما كـانـت المعلومات إيجابية أكـثـر وتبعث روح التفاؤل، زادت نسبة جذب انتباه الجمهور ومتابعة الأخبار. وأضــــاف الـــبـــوات أن الـمـتـابـعـة تعتمد أيـضًــا على نسبة ثقة الجمهور بالوسيلة التي تقدم الأخــبــار، فـــإذا كـانـت الأخــبــار صـــادرة عـن قنوات مـسـمـومـة وتـنـشـر الأخـــبـــار الـسـلـبـيـة، يتجنبها الجمهور وتنخفض نسبة المشاهدات فيها، أما إذا كانت صـادرة عن وسيلة موثوقة ومعروفة في مصداقيتها وموضوعيتها، تجذب الجماهير. وقال البوات إن طريقة عرض الأخبار تلعب دورًًا مهم ًًا، فعند عرض الأخبار بطريقة إبداعية تساعد على جذب الجمهور بشكل أكبر. وأشــــار الـــبـــوات لـــدور الأردن وجلالــــة الملك عبدالله الثاني في تقديم المساعدات للقطاع، فهذا يلعب دورًًا مهم ًًا، مؤكدا أن الجمهور عندما يرى أن هناك جهات كبيرة مهتمة في الأحداث الـــجـــاريـــة، سـيـبـعـث ذلـــك الأمــــل فـــي نفوسهم ويحمسهم على متابعة التطورات. هل اعتاد المواطنون مشاهد القتل والدمار؟ من القلق إلى الإحباط.. كيف أثرت الحرب على متابعة الجمهور للأحداث في غزة؟ مشاهد من الدمار الذي خلفته الإبادة في غزة الــــروايــــة، كـمـا وصـفـهـا الـــروائـــي الـنـمـسـاوي هـــرمـــان بـــــروخ «أنـــهـــا الـــتـــي تــصــاحــب الانـــســـان على الـــدوام وبــإخلاص منذ بداية الأزمـنـة،» إذ لطالما كانت الرواية وسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر الإنسانية، وإنـهـا مـن أعظم أسلحة الإنــســانــفــي الـتـنـويـر واكــتــشــاف الـــــذات والآخـــر والمحيط الاجتماعي الـذي يحيا فيه، كما يرى الـنـاقـد الـــســـوري هيثم حـسـيـن، ولا ننسى أن الرواية كانت ولا تزال مصدر إلهام للعديد من العلماء والفلاسفة، كما هو الحال مع سيجموند فـرويـد الـــذي وجــد فـي روايــــات دوستويفسكي تحليلا عميقا للنفس البشرية. وفي ظل التطور الهائل والمتسارع للذكاء الاصطناعي أصبح من المستحيل معرفة لأي مـدى سـوف تصل حــدوده، فقد دخـل في كافة الـمـجـالات، م ّّــا أثــار تخوفات مـن أن يحل مكان الإنسان في بعض المجالات، وهنا نطرح سؤالا فـــي صــلــب مــوضــوعــنــا؛ هـــل سـيـصـبـح الـــذكـــاء الاصطناعي قادرا على كتابة الرواية الأصيلة؟ وعلى الرغم من وجود تجارب لروايات أنتجت باستخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أنه وبحسب الدراسة التي أجراها باحثون من جامعتي لندن كـولـيـدج وإكـسـتـر، أظــهــرت أن كـتـاب الــروايــات الخيالية الـذيـن يستخدمون تطبيقات الـذكـاء الاصطناعي، للمساعدة في إنجاز روايتهم ينتهي بهم المطاف إلى إنتاج أعمال متشابهة بصورة أكبر مما يمكن أن يحدث في حال الروايات التي يكتبها الـكـتـاب بأنفسهم، وعـنـد إضـافـة نتيجة عـمـل تطبيق الـــذكـــاء الاصـطـنـاعـي إلـــى الــروايــة الـخـيـالـيـة تـكـون النتيجة تــراجــع درجـــة الابـتـكـار والتفرد في الرواية. ويرى الروائي المصري أحمد خالد مصطفى أنه مع تطور برامج الذكاء الاصطناعي سنصل لمرحلة يمكن فيها أن يكتب رواية كاملة ويحاكي أسلوب كاتب معين بنفس طريقته، لكنه يؤمن بالوقت ذاته، بافتقار الذكاء الاصطناعي للعمق العاطفي والإنساني الموجود لدى الكاتب، لأنه يعتمد على البيانات المدخلة له كصانع ومطور ويـحـتـاج إلـــى مجموعة مــن الـــروايـــات ليحللها ويحاكي أسلوبها. ويــنــوه مصطفى إلـــى عـــدم اعــتــمــاد الـكـاتـب البشري فـي إنتاجه على الــروايــات التي قرأها فقط، بل يعتمد على تجاربه البشرية ومشاعره وعواطفه التي يمكن أن تنتقل في كتابته، إذ لـيـس كــل كــاتــب يستطيع نـقـل مـشـاعـرة إلـى الورق، متوقعا بأن يتفوق الذكاء الصناعي على الكت ّّاب غير الموهوبين لكنه لن يجاري أو يقترب من الكاتب القوي، على حد تعبيره. ويعتقد بأن الذكاء الاصطناعي قادر على إنتاج حبكات أكثر تعقيدًًا من الحبكات التي ينتجها البشر وشخصيات غنية بالتفاصيل، ولكنه يفتقر للابتكار عند نقل مشاعرهم حيث يقتصر على محاكاة ما تم إدخاله من روايات، لذلك ستجده في هذه النقطة يقلد ولا يبتكر شخصية جديدة كليا لأن البشري يستوحي شخصياته من حياته والذكاء الصناعي ليس له حياة. من جانبه، يقر أستاذ الادب والنقد المساعد في جامعة ظفار شفيق النوباني بقدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على توليد نصوص جديدة، مشيرا إلى إمكانية اعتبار روايـة من هذا النوع روايـة أصيلة، لكنها تعد أصيلة بالنسبة للذكاء الاصطناعي، أي أنها تنطلق من موت المؤلف، دون أي اجتهاد نقدي أو فلسفي. ويستشهد النوباني بـ «ميخائيل باختين»، الــذي جعل الـروايـة «حـالـة كرنفالية» لا تسلم من التعدد الإيديولوجي واللغوي، على الرغم من أنها صادرة عن روائي واحد، معتبرا أن رواية الذكاء الاصطناعي ستكون «كرنفالا اصطناعيا» مـتـجـددا ينهل مــن الـخـبـرة الإنـسـانـيـة دون أن يمتلك روحها. ويـــؤكـــد أنــــه عــلــى الـــرغـــم مـــن إنـــتـــاج الـــذكـــاء الاصـــطـــنـــاعـــي لـــلـــعـــديـــد مــــن الأعـــــمـــــال الأدبـــيـــة والـــروائـــيـــة، فـــإن هـــذه الأعـــمـــال تـبـقـى مـحـاكـاة للأعــمــال الأدبــيــة الـتـي أنتجها الـعـقـل البشري الــذي يرتبط أساسا بثقافات متنوعة تنعكس على المشاعر والأحـداث التي تنطوي عليها أي روايـــة، مشيرًًا إلـى أن أفـق التجريب الإنساني مفتوحا أكثر أمام الأدباء الذين لا شك سيستفيد بعضهم من منجزات الذكاء الاصطناعي، لا سيما أولئك الأدباء الذين يخوضون التجريب في هذا المجال بالذات. ويرى النوباني أن الذكاء الاصطناعي لن يؤدي دورا محوريا في بنية الرواية أو أسلوبها أو كتابتها بصورة مباشرة، فهو في النهاية حصيلة معالجة البيانات التي يتعامل معها مهما كانت درجة اتـسـاع هـذه البيانات، مبينا أن الأدب حصيلة تجربة بشرية تعززها المشاعر والمواقف، ومن المعروف أن الذكاء الاصطناعي لم يتمكن من تطوير ما يشبه المشاعر الإنسانية حتى الآن. هل سيميل القارئ نحو الذكاء الاصطناعي؟ لا يساور النوباني شك في أن العمل الأدبي بوصفه نتاج تجربة إنسانية يبعده عن أن يكون محط اهتمام حين يصدر عن آلة، على الرغم من أن كثيرا من الشباب يميلون إلى الاستماع إلى النصوص الأدبية أكثر من قراءتها، معتبرا أن ولوج الذكاء الاصطناعي إلى هذا الباب سيكون بـالانـطلاق من توفيره وسيلة أسهل للحصول على المتعة القرائية. ويتابع النوباني «على كل حـال لا أتصور أن المثقف بثقافة أعمق سيلجأ إلى منتج الذكاء الاصــطــنــاعــي الــثــقــافــي بــوصــفــه مـنـتـجـا مـثـالـيـا وبوصفه مصدرا ثقافيا يمكن من خلاله تنمية ثقافته وتوسيع أفقه». فـي الـسـيـاق ذاتـــه، يعتبر الــروائــي المصري مـصـطـفـى أن الـــقـــارئ يـفـضـل الــــروايــــات الـتـي تعكس مشاعر إنسانية حقيقية، بينما قد يحب مشاهدة الأفلام مصنوعة بالذكاء الاصطناعي، ولكن ستظل الأفلام الواقعية أكثر جاذبية لأن القصص الصناعية خالية من المشاعر والإنسان يتأثر بالفن عموما لأنه ينقل مشاعر الكاتب أو الرسام أو الممثل. ويؤكد مصطفى أن التحدي الحقيقي يواجه الكتّّاب غير الموهوبين وغير المتمرسين؛ لأن الـقـارئ، بحسب رأيــه، سيجد أن الـروايـات التي ينتجها الـذكـاء الاصطناعي أكثر قـوة بالمقارنة مــع أعـمـالـهـم، داعــيــا الــك ُُــتّّــاب لــضــرورة الابـتـعـاد عن التقليد بعضهم البعض والتركيز على ترك بصمتهم الخاصة في أعمالهم. ويـشـبّّــه مصطفى الـكـاتـب الـــذي يقلد غيره بالذكاء الاصطناعي الذي يحاكي أسلوب كاتب معروف دون ابتكار حقيقي. الذكاء الاصطناعي.. كأداة مساعدة يشير الناقد النوباني إلـى أن بـرامـج الذكاء الاصطناعي في سيرورة تطور مستمرة؛ والناظر في إجابات تطبيق «شـات جي بي تي» سيجد أن حــواره ذكـي بالفعل، بل إنـه على درجــة من القدرة على التصرف في إجاباته في تجاوز بعض المسائل الإيديولوجية، إذ تشعر أنـك تتحدث مــع شـخـص صــاحــب خــبــرة دبـلـومـاسـيـة، لافـتـا إلى أنه من الممكن أن تـؤدي هذه التطبيقات دورا انفعاليا مبرمجا يبدو فيه شكلا من أشكال العمق الإنساني، غير أن ذلك سيبقى سطحيا لا يمثل الجوهر الإنساني على الرغم من ملامسته إياه. ويرى النوباني أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي دورا مساعدا في العمل الأدبي والنقدي، إلا أن الإنسان لن يتنحى عن القيام بمسؤوليته الإنسانية والثقافية لصالح الذكاء الاصطناعي مهما بلغت درجـــة التقدم الـــذي تحققه الآلــة، مشيرًًا إلى أن الثقافة التي تبث عبر المنتجات المعاصرة التي ترتبط بالإنتاج الثقافي بصورة عامة تؤدي دورا غير محمود في تسطيح الثقافة والـمـعـرفـة، إذ تـبـدو للناظر شفاهية جـديـدة لا تميل إلــى التمحيص العلمي أو المعرفي أو العمق الرؤيوي. ويـعـتـبـر أن الــنــقــد لا يــبــدو مــشــغــولا بـوضـع معايير لتقييم أدب الذكاء الاصطناعي بمقدار ما سينشغل في مقارنة هذا الأدب بما ينتجه الإنـــســـان، مــؤكــدا أن الإنـــتـــاج الـبـشـري سيبقى أساس الفعل النقدي. ويقول النوباني «بما أن الذكاء الاصطناعي محاكاة للذكاء البشري لا يتمتع حتى الآن بأي قــدر مـن الـذكـاء العاطفي؛ لـن تـخـرج المعايير النقدية عن تلك الاجتهادات المرتبطة بالنظريات النقدية.» ومن جهته، يرج ّّح مصطفى أن يصبح الذكاء الاصـطـنـاعـي مـسـتـقـبلا أداة فـعـالـة فــي البحث وجمع المعلومات إذا تطور بشكل كبير، لكنه في وضعه الحالي لا يمكن الاعتماد عليه تماماًً، لأن ذلك قد يؤدي إلى نتائج مخيبة وغير دقيقة. الرواية.. بين المخيال البشري والخيال الاصطناعي هل يهدد الذكاء الاصطناعي مكانة المؤلف؟ ࣯ ي رموك- عبدالرحمن الدهون و حلا الدباس � صحافة ال تعبيرية
RkJQdWJsaXNoZXIy NTAwOTM=