٢٠٢٥ نيسان ٢٠ _ ١٤٤٦ شوال ٢٢ الأحد 4 شرفات لطالما كـــان الـمـسـرح الـعـربـي جـــزءًًا مهم ًًا من المشهد الثقافي، ولطالما كان وسـيـلـة مهمة لـرفـد ثـقـافـات الشعوب ونــقــلــهــا، لـكـنـه الـــيـــوم يـــواجـــه تــحــد ّّيــات حقيقية تعيق تطوره وتحد من جمهوره، حتى أصبح يقتصر في الغالب على فئة معينة مـن المتابعين، ولــم يعد قـــادرًًا عـلـى جـــذب جـمـهـور أوســـع لأنـــه لــم يعد يـواكـب قضايا الجمهور وأفــكــاره، ورغـم وجـــــود الـــعـــديـــد مـــن الــمــبــدعــيــن الــذيــن يحاولون تجديد هذا الفن، إلا أنه لا زال يمر بفتور خلّّفته أسباب عد ّّة. وهنا يبرز التحدّّي الأكبر أمــام الفن الــمــســرحــي، وهــــو كـيـفـيـة الــتــكــيــف مع اهتمامات الجمهور وفتح آفـاق جديدة تـضـمـن لـــه الــبــقــاء فـــي صـــــدارة الـفـنـون الــمــعــبّّــرة عـــن واقــــع الـمـجـتـمـع الـعـربـي خـاصـة مـع انفتاح الجمهور فـكـريًًّــا، في الوقت الـذي يواجه فيه تحدّّيات أخرى مثل تهالك البنية التحتية وقلة الدعم وربما الحريّّات، فهل سيتمكن المسرح العربي من التكيف مع هذه التغييرات ومواجهة السلبي منها؟ المشهد المسرحي في الأردن قال المخرج المسرحي حكيم حرب إن الـمـسـرح الأردنــــي قـــد ّّم عـبـر فـتـرات ا مسرحية هامة ذات زمنية طويلة أعمالًا مـضـامـيـن عـمـيـقـة، إذ اسـتـطـاعـت تـرك بـصـمـة واضـــحـــة فـــي مـسـيـرة الـمـسـرح الأردني والعربي. وتـابـع أن هــذه الأعــمــال شـاركـت في مــهــرجــانــات مـسـرحـيـة عـربـيـة ودولـــيـــة، محققة حضورًًا جماهيريًًا كبيرًًا وإشادة واسـعـة مـن الـنـقـاد والـجـمـهـور العربي، سواء في القاهرة أو تونس أو المغرب أو العراق، إذ كان الجمهور يقبل عليها بشغف، لما تحمله مـن قضايا تتقاطع مــع هـمـوم الإنـــســـان الأردنـــــي والـعـربـي، وتعكس آماله وآلامه. وأوضــــح حـــرب أن الـمـسـرح الأردنــــي يعاني في السنوات الأخيرة من سيطرة «الشكلانية» على حساب المضمون، إذ أصبحت «السينوغرافيا» والحركة ولغة الجسد والإبــهــار بــالإضــاءة والموسيقى هـــي الــعــنــاصــر الــغــالــبــة فـــي الـــعـــروض المسرحية. وقــــــال إن الـــمـــســـرح فــــي الأردن لا يـزال موسميًًا ومـحـدودًًا بالمهرجانات، إذ يفتقر إلـــى الاســتــمــراريــة والانـتـشـار الجماهيري على مدار العام. وأوضــــــح حــــرب أن غـــيـــاب الــمــســرح الــيــومــي والــجــمــاهــيــري، الــــذي يـتـجـاوز العاصمة إلى المحافظات، يشكل عائقًًا أمام خلق حالة مسرحية فاعلة ومؤثرة في المجتمع الأردني. وأشار إلى أن الجهود المسرحية التي يبذلها الفنانون الأردنيون رغم أهميتها تبقى خجولة ومقتصرة على فترات أو مناسبات محددة خلال السنة. وأضـاف أن طبيعة الجمهور لا تحتاج فقط مسرح مناسبات أو مـواسـم، بل مـسـرح مـسـتـدام يعمل طـــوال الـعـام، بحيث يستطيع الجمهور برمجة أوقاته لــحــضــور عـــــروض مــســرحــيــة مـتـواصـلـة ومحددة في توقيتها. ولـــفـــت حــــرب إلــــى غـــيـــاب مـــا يُُــعــرف بـالـمـسـرح «الـــريـــبـــرتـــوار» (الــــذي يقدم برنامج عروض مستدام ومتنوع طوال العام)، مشيرًًا إلى أن المسرح الأردني يـعـانـي مــن عـــدم وجــــود بـرنـامـج واضــح ومـتـكـامـل يجعل الـجـمـهـور عـلـى يقين بـوجـود عــروض مستمرة تغطي جميع أشهر السنة. ووصف الوضع الحالي للمسرح بأنه احتفالات مسرحية متفرقة تعتمد على جهود فردية، مؤكدا أن الأفراد وحدهم لا يمكنهم تحقيق حراك مسرحي مستدام. بـــيـــنـــمـــا قــــــال الــــمــــخــــرج الـــمـــســـرحـــي عــبــدالله جـــريـــان، فــي الـسـيـاق ذاتــــه، إن المشهد الـمـسـرحـي فــي الأردن يشهد تــراجــع ًًــا كــبــيــرًًا فـــي الــســنــوات الأخـــيـــرة، مرجع ًًا ذلك إلى أسباب متعددة، أبرزها ضـعـف الإدارة وغــيــاب الاسـتـراتـيـجـيـات والخطط المعاصرة التي تلبي تطلعات المسرحيين وطموحاتهم. وأشار إلى أن الميزانيات المخصصة للمسرح لم تشهد أي زيادة منذ عشرين عامًًا، مما يؤثر بشكل كبير على جودة الــعــروض المسرحية، الـتـي تحتاج إلى إنتاج قوي لدعمها. وأوضـح جريان أن العمل المسرحي فـي الأردن يقتصر على فئات ومناطق مـحـددة دون أن يمتد إلـى المحافظات كافة، ما يحد من انتشار ثقافة المسرح وبناء جمهور مسرحي حقيقي. وقـال إن المسرح الكوميدي والجاد يحظيان بمتابعة الجمهور، لكن المسرح الــكــومــيــدي يــعــانــي أحـــيـــانًًـــا مـــن تـقـديـم مــواضــيــع سـطـحـيـة وغــيــر هـــادفـــة، على عكس أعـمـال كوميدية مميزة قدمها فنانون مثل موسى حجازي. وأضـــــاف جـــريـــان أن الــمــســرح الـجـاد يواجه صعوبة في الوصول إلى الجمهور بسبب الــمــشــكلات المتعلقة بــــالإدارة والكتابة والإنتاج. بينما قـال الممثل المسرحي نبيل صـوالـحـة، إن الـمـسـرح الأردنــــي لا يــزال نشط ًًا، لكنه يعاني من ضعف التأثير في المجتمع، مشيرا إلى أن واقع المسرح يرتبط ارتباطا وثيقا بواقع الأمة. وأوضـــــح أن الــمــســرح فـــي الـمـاضـي كـــان يـعـكـس شــعــور الـقـومـيـة الـعـربـيـة والإحــــســــاس بــأنــنــا أمــــة واحــــــدة، إلا أن هـــــذا الـــشـــعـــور اخـــتـــفـــى وتـــــراجـــــع مـعـه دور الـمـسـرح نتيجة «لـصـغـر الـعـقـول والقلوب»، بحسب تعبيره. وعــــن أبـــــرز الـــتـــحـــديـــات الـــتـــي تــواجــه الــمــســرح الأردنــــــي، أشــــار صــوالــحــة إلـى غياب وجــود قـوي للمسرح رغـم بعض الاجـتـهـادات الجيدة من قبل العاملين في المجال. وأكد أن المسارح في الأردن متوفرة ومـجـهـزة بـشـكـل جــيــد، إذ لا تــكــاد تخلو مـــدرســـة أو مــؤســســة مـــن مـــســـرح، إلا أن المشكلة تكمن فـي الاسـتـفـادة من هذه الإمكانيات لتقديم عروض تعكس تطلعات الجمهور وتفاعله مع الواقع. وذكــــــر الـــمـــخـــرج الـــمـــســـرحـــي أحــمــد عليمات أن المسرح يُُــعـد فنًًا تعبيريًًا يجمع بـيـن مختلف أنــــواع الـفـنـون في قالب واحد متكامل، يتحدد شكله وفقًًا لرؤية المخرج وأفكار الكاتب، وبالتكامل مع العناصر الإبداعية الأخرى. وأوضح أن هذه العناصر تتفاعل فيما بينها لتنتج الأحداث والصورة المشهدية للعمل المسرحي، مشددًًا على أهمية تـكـامـل الأدوار بـيـن الــكــاتــب والـمـؤلـف الموسيقي ومـصـمـم الـديـكـور والأزيــــاء والإضـــــــــاءة، إذ يــجــب الاهـــتـــمـــام بـكـافـة هــذه الـجـوانـب لتحقيق عمل مسرحي متكامل. وأشــار عليمات إلـى أن المسرح في الأردن مـــر بــمــراحــل مــتــعــددة شملت الـتـأسـيـس والــبــنــاء والـــنـــضـــوج، مـتـأثـرًًا بالتجارب المسرحية العربية والعالمية. وبي ّّن أن ما يميز المسرح هو اعتماده عــلــى خـــبـــرة الـــمـــخـــرج وثـــقـــافـــة الــكــاتــب الـمـسـرحـي، م ّّـــا يجعل الإبــــداع فــي هـذا المجال غير محصور في شكل أو قانون محدد، بل يتسم بالاختلاف الذي يثريه. وأضــــــاف أن الـــمـــســـرح تـــجـــاوز دوره الـتـقـلـيـدي كـوسـيـلـة للمتعة والـتـرفـيـه ليصبح أداة فعالة في التعليم والتوعية والـــعلاج النفسي والاجـتـمـاعـي، مـا يبرز قيمته كطاقة إيجابية ت ُُوظف في مختلف المجالات. وفـــــي الـــســـيـــاق ذاتـــــــه، قـــــال الـمـنـتـج والــمــخــرج الـمـسـرحـي جـمـال زيــــادة إن واقــــع الـمـسـرح الأردنـــــي الــيــوم يختلف كـثـيـرًًا عـمـا كـــان عـلـيـه فــي الــمــاضــي، إذ إنــه كــان رائــــدًًا على المستوى المحلي والـعـربـي بـأعـمـالـه الـتـي تـنـاولـت قضايا المجتمع بعمق وتركت انطباعًًا إيجابيًًا لدى الجمهور. تراجع المضامين.. أشــــار الــمــخــرج حـكـيـم حـــرب إلـــى أن الــعــروض المسرحية الحالية غـالـبًًــا ما تقدم موضوعات لا تتصل بواقع الجمهور الأردنــي، مما يؤدي إلى شعور الجمهور بالاغتراب أثناء مشاهدة المسرحيات، مبيّّنًًا أن الجمهور يـأتـي إلــى المسرح ليجد نفسه وهمومه ومشاكله وأحلامه منعكسة في الـعـروض، وليس ليشعر بالبعد والانفصال عن واقعه. وشــــــــدد عــــلــــى ضــــــــــرورة أن تــحــمــل العروض مضامين عميقة تعالج قضايا مصيرية تهم الإنسان الأردنـي والعربي، وتطرح أفكارًًا تدعو للتفاؤل والأمل، بما يسهم في حل الأزمات والمشكلات التي تواجه المجتمعات. ولفت حرب إلى أن المسرح الأردني مـــا قـبـل الـتـسـعـيـنـيـات وبـــدايـــة الألـفـيـة الجديد كان يقدم موضوعات مستمدة من الـتـراث العربي والتاريخ الإنساني، إلى جانب نصوص لكبار الكتاب العرب والأردنيين والعالميين، وقد تركت هذه الأعمال أثرًًا كبيرًًا في الجمهور، إذ كانت تطرح مضامين قوية تعبر عـن الواقع وتعزز الصلة بين المسرح والجمهور. وعبّّر عن أسفه لما وصفه بمحاولة تــقــلــيــد الـــتـــجـــارب الـــغـــربـــيـــة والـــتـــيـــارات الـمـسـرحـيـة الأجــنــبــيــة الــتــي تــركــز على الــشــكــل دون الـــمـــضـــمـــون، مــــؤكــــدًًا أن للمسرح العربي خصوصيته، مستمدًًا قوته من التراث العربي والشرقي الغني، والــــذي يمكن أن يـكـون مــصــدرًًا للكثير من الحكايات والمضامين ذات الصلة بالإنسان الأردني والعربي. ودعـــا المسرحيين إلـــى الــعــودة إلـى الجذور الثقافية والتراثية لتقديم أعمال تحمل عمقًًا فكريًًا وقيم ًًا إنسانية تلبي تطلعات الجمهور وتحقق حضورًًا مؤثرًًا. وبـــيّّـــن الــمــخــرج عـــبـــدالله جـــريـــان، أن الجمهور يتفاعل مع الأعمال التي تعكس واقعه وتلبي اهتماماته، مؤكد ًًا أن تقديم مـــواضـــيـــع بــعــيــدة عـــن الــجــمــهــور، مثل مسرحيات «شكسبير» و»تشيخوف»، يساهم في عزوف الناس عن المسرح لعدم شعورهم بارتباطها بحياتهم. وأكــد أن الطريقة الأنـسـب لمعالجة المواضيع الحساسة تكمن في تقديم رؤيـة ترتقي بالناس وتواكب تطوراتهم الفكرية. وشدد جريان على أن الجمهور بات أكــثــر وعــيًًــا وانـتـقـائـيـة بـسـبـب انفتاحه على العالم من خلال التكنولوجيا، لافتًًا إلــى أن المسرح الجيد يجب أن يقدم محتوى يستفز فكر الجمهور ويوجههم نحو قضايا تهم المجتمع. واعــتــبــر أن الــمــســرح هــو أهـــم منبر ثـــقـــافـــي قــــــادر عـــلـــى إحـــــــداث تــغــيــيــرات مـجـتـمـعـيـة كـــبـــيـــرة إذا تــــم اســتــثــمــاره بالطريقة الصحيحة، مستشهدًًا بأمثلة تاريخية لمسرحيات أثرت في مسارات مجتمعات مثل «ليلة القتل» في كوبا ودور المسرح في الثورة الفرنسية. وأشــــار جــريــان إلـــى أن الـمـسـرح في الأردن والوطن العربي لا يلبي طموحات الـــنـــاس حـــالـــيًًـــا، إذ يــجــب أن يسبقهم بخطوات لتوعيتهم بقضايا قد لا يدركونها. وأوضـــح أن قلة الأعـمـال المسرحية وضــعــف الاهـــتـــمـــام بــهــا يـــؤثـــران بشكل مــبــاشــر عــلــى الــنــقــد الــمــســرحــي أيــض ًًــا، مبيّّنًًا أنه لا يمكن أن تكون هناك حركة نــقــديــة دون وجـــــود زخــــم فـــي الأعـــمـــال المسرحية، إذ نحتاج إلـى إنتاج أعمال جـديـدة ومتميزة لإحـيـاء النقد وتعزيز جودة المسرح. وأضـاف أن هذا التراجع مرتبط أيض ًًا بـضـعـف الــنــصــوص الـمـسـرحـيـة وعـــدم قــدرتــهــا عــلــى ملامـــســـة هــمــوم الــنــاس وقضاياهم، مؤكد ًًا أن المسؤولية لا تقع فقط على الإدارات، بـل تشمل الكتّّاب والمخرجين، الذين يجب أن يسعوا إلى إيصال العروض إلى مختلف المحافظات لضمان وصول المسرح إلى جميع فئات المجتمع. وأشار الممثل نبيل صوالحة، إلى أن العروض المسرحية الحالية لا تلامس واقع الناس وظروفهم بالشكل الكافي، إذ يشعر أحيان ًًا أن الممثلين والمخرجين يقدمون أعمالهم لأنفسهم دون محاولة الوصول إلى الجمهور، ما يؤدي إلى قلة التفاعل من الحضور. وبيّّن أن المسرح في جوهره يجب أن يــعــكــس حـــيـــاة الـــــنـــــاس، بـــمـــا فـيـهـا أفراحهم وأحزانهم وآراؤهم، لأنه «معلم الــــشــــعــــوب» ويـــجـــب أن يـــقـــدم صــــورة واضحة عن الواقع. وأضــــاف صـوالـحـة أن الـتـركـيـز الكبير عـلـى الإضــــاءة والــديــكــورات والـمـؤثـرات الـصـوتـيـة عـلـى حـسـاب الـنـص والكلمة يؤثر سلبًًا على جـودة الـعـروض، مؤكدًًا أن الكلمة هــي العنصر الأســاســي في المسرح. ولــفــت إلـــى أن الأحـــــداث السياسية والصراعات التي يعيشها الوطن العربي، مثل الأوضـاع في غزة واليمن وسوريا، تشغل الناس وتؤثر على توجههم نحو الـفـنـون، إذ إن المسرح نفسه لا يقدم محتوى يعبر عن همومهم بشكل كاف ٍٍ. واعتبر صوالحة أن الأوضاع السياسية الإقليمية لها تأثير كبير على النصوص المسرحية، إذ تمثل أكبر دراما حقيقية يعيشها المواطن العربي، إلا أن السياسة الــحــالــيــة وحـــالـــة الـتـشـتـت بــيــن الــــدول العربية تعرقل نهوض المسرح وتسليط الضوء على هذه الأحداث بشكل فعال. بــيــنــمــا يــــقــــول الـــمـــمـــثـــل والـــمـــخـــرج المسرحي هشام سويدان أن المسرح فـي الأردن يعكس الكثير مـن القضايا الـــراهـــنـــة عــلــى الـمـسـتـويـيـن الـمـيـدانـي والشخصي، مشيرًًا إلـى أن المضامين المسرحية الـتـي يقدمها تحمل طابعًًا عالميًًا بوعي تجريبي عميق. وأضــــــاف أن هـــنـــاك حـــاجـــة للتعمق بشكل أكبر في بعض المفاهيم والقضايا المطروحة ودراستها بوعي أوسع، بحيث تصبح العروض المسرحية على خشبة المسرح أمام الجمهور أكثر تأثيرًًا. وشـــدد ســويــدان على ضـــرورة تنويع الـمـضـامـيـن الـمـسـرحـيـة والابـــتـــكـــار في طـــرحـــهـــا، لا ســيــمــا فـــي ظـــل الــتــحــديــات التي تواجه المجتمع الأردني والمنطقة الــعــربــيــة، مــثــل الــتــغــيــرات الـسـيـاسـيـة والــــــحــــــريــــــات الـــــفـــــرديـــــة والــــتــــحــــديــــات الاقتصادية. وأكــــد أن الــمــســرح يـمـكـن أن يـكـون وسـيـلـة فـعّّــالـة لمعالجة هـــذه القضايا بـعـمـق وشـمـولـيـة، إلـــى جــانــب تسليط الـضـوء على قضايا عالمية مثل البيئة وحقوق الإنسان. وبيّّن سويدان أن هناك التباس ًًا في فهم القضايا المطروحة فـي المسرح، ما يؤثر على قدرة الجمهور على التفاعل معها، مشيرًًا إلى قلة الوعي بالفرق بين المسرح التجاري والمسرح المستقل. وقال المخرج جمال زيادة، أن هناك فجوة كبيرة بين مسرح الأمس ومسرح الـــيـــوم، إذ يـفـتـقـد الأخـــيـــر إلــــى الارتـــبـــاط الحقيقي مع الواقع وإلى نصوص تعكس هموم المواطن. وأشـــار إلـى أن الأعـمـال الحالية غالبًًا مـا تكون بعيدة عـن الـواقـع ولا تلامـس قضايا الشارع الأردنــي، بل تقدم صورة مشوهة أحيانًًا لا تعكس الحقيقة، لافتًًا إلـى ضـــرورة أن يحمل المسرح هموم المواطن اليومية ويعبر عن إيقاع حياته. وأوضح زيادة أن استقطاب الجمهور للمسرح ليس بالأمر السهل، مؤكد ًًا أن جمهور المسرح ذكـي ومثقف ويبحث عن العبرة والفائدة. من المسؤول؟ وعن التحدّّيات التي تواجه المسرح الأردنــــي، أوضـــح ســويــدان أن المسارح ودور الـعـرض فـي الأردن لا تــزال تعاني مـن نقص التجهيزات الفنية الحديثة، مـا يحد مـن الــقــدرة على إنـتـاج عـروض مـتـكـامـلـة تــقــنــيًًــا، مــشــيــرًًا إلــــى أن عــدد المسارح المتخصصة محدود، وتوزيعها الجغرافي يتركز في المدن الكبرى، مّّا يحرم الجمهور في المناطق الأخرى من فرصة الوصول إليها. ودعا إلى الاستثمار في بناء مسارح جديدة وتحديث البنية التحتية القائمة، بـــالإضـــافـــة إلـــــى تـــعـــزيـــز الـــشـــراكـــة بـيـن الـقـطـاعـيـن الـــعـــام والـــخـــاص لــدعــم هـذا القطاع الحيوي. وأشـــــــار ســــويــــدان إلـــــى الـــعـــديـــد مـن التحديات التي تواجه المسرح الأردنـي مــثــل ضــعــف الـــدعـــم الـــمـــالـــي والإنـــتـــاج الفني وقلة التدريب والتطوير المهني للممثلين والمخرجين وضعف الإقبال الجماهيري بسبب الأوضاع الاقتصادية، مـــشـــدد ًًا عــلــى ضـــــرورة تـنـظـيـم الـمـزيـد مـن الـبـرامـج التدريبية الـتـي تستهدف الــــمــــواهــــب الــــشــــابــــة، بــــهــــدف الارتــــقــــاء بـمـسـتـوى الــمــســرح الأردنــــــي لـيـواكـب التطورات العالمية. ولفت إلـى تأثير الأوضـــاع السياسية الإقليمية على الـنـصـوص المسرحية، موضح ًًا أنها تشك ّّل مصدر إلهام وتحفيز للفنانين للتعبير عن قضايا المجتمع، إلا أنها قد تكون في بعض الأحيان عائقًًا بسبب القيود الرقابية. وأضـــاف سـويـدان أن هـذه التحديات تتطلب مــن الـمـسـرحـيـيـن الـبـحـث عن وســـائـــل إبـــداعـــيـــة لـلـتـعـبـيـر عـــن الــواقــع السياسي دون المساس بحرية التعبير أو تعريض أنفسهم للمخاطر. بـيـنـمـا انـتـقـد زيـــــادة اقــتــصــار تمويل المسرح على وزارة الثقافة، مشيرًًا إلى أن الـدعـم الـمـقـدم غير كـــاف ولا يغطي احتياجات المسرح الكبيرة، خاصة وأن بعض هذا الدعم يذهب لأشخاص غير مـؤهـلـيـن، مــا يــؤثــر سـلـبًًــا عـلـى الـحـركـة المسرحية في الأردن. وأوضح صوالحة أن وزارة الثقافة ودار الثقافة والفنون تتيح المجال لتقديم الـــعـــروض، وأحــيــانًًــا تـقـدم دعــم ًًــا مــاديًًــا، لكنه غير كـاف بسبب شح الميزانيات، ما ينعكس على قدرة المسرحيين على الإنتاج. وأكد أن الثقافة بشكل عام ليست من الأولــويــات لـدى المؤسسات الحكومية الرسمية، التي تـواجـه صـراعـات تتعلق بالتوظيف والمعاشات، مشيرًًا إلـى أن الاهتمام بالمسرح يمكن أن يسهم في التخفيف من الضغوط على الحكومة. وأشار صوالحة إلى أن البنية التحتية لـلـمـسـرح الأردنــــــي لا تــــزال بـحـاجـة إلـى تطوير واهتمام أكبر، لافتا إلى أن حجم الـــدعـــم الــحــالــي لا يـضـمـن بــنــاء مـسـرح مـتـمـيـز قـــــادر عــلــى مــنــافــســة الأعـــمـــال الـمـسـرحـيـة الـمـصـريـة أو الـتـونـسـيـة أو العراقية والخليجية. وتابع «عند مشاركة المسرح الأردني فـــي الــمــهــرجــانــات الـمـسـرحـيـة ونـقـارنـه بـــالـــدول الأخــــــرى، نلاحــــظ حـجـم الــفــارق فـــي الـــدعـــم الــــذي تـحـصـل عـلـيـه الـفـرق المسرحية العربية والأجـنـبـيـة مقارنة بالمسرحيين الأردنيين، الذين يعملون غالبا بإمكانات بسيطة وأحيانا ضحلة». وقــــــال حـــــرب إن الـــمـــســـرح الأردنــــــي يعاني مـن تـحـديـات عـديـدة تحتاج إلى دراسات موسعة ومؤتمرات متخصصة لـبـحـثـهـا. مــشــيــرًًا إلــــى أن الـمـسـؤولـيـة فـــي هــــذا الــســيــاق مـشـتـركـة بــيــن عــدة أطراف مثل الجهات الرسمية والخاصة والمسرحيين والجمهور. وأوضح أن الجهات الرسمية والخاصة تتحمل مسؤولية تقديم الدعم الكافي لـلـمـسـرح، لـضـمـان إنــتــاج أعــمــال قوية ومؤثرة. وأضـــــــــاف حــــــرب أن الــمــســرحــيــيــن أنفسهم مطالبون بتقديم عروض تحمل مضامين واضحة ومفهومة للجمهور، وتعالج قضاياه ومشاكله دون التركيز عـلـى الإبــهــار أو الـغـمـوض عـلـى حساب المضمون. ولفت إلى أن الجمهور أيض ًًا يتحمل مسؤولية تجاه المسرح، إذ ينبغي أن يرتقي بفكره تجاه هـذه الفنون. مبيّّنًًا أن الجمهور يستهين أحيانًًا بالمسرح، وينظر إليه كوسيلة للتسلية أو الضحك فقط. وأكــــــد أن الــمــســرحــيــيــن يـتـحـمـلـون مـسـؤولـيـة كـبـيـرة فــي فـهـم احـتـيـاجـات الجمهور وتقديم أعمال تتناول قضاياه بجدية، دون التخلي عن قيمة المسرح الثقافية والفكرية، مشيرًًا إلـى أهمية تحقيق تــوازن بين مخاطبة اهتمامات الـــجـــمـــهـــور والـــمـــحـــافـــظـــة عـــلـــى رســـالـــة المسرح العميقة. ولفت حرب إلى دور الإعلام في تعزيز مـكـانـة الــمــســرح والـــتـــرويـــج لـلـعـروض، مــوضــح ًًــا أن غــيــاب الـتـغـطـيـة الإعلامــيــة والـتـسـويـق يـــؤدي إلــى عـــزوف الجمهور عن حضور العروض. وبـــيّّـــن أن الـــمـــســـرح بـــــدون جـمـهـور «كمن يرقص في العتمة»، إذ إن الفنان الــمــســرحــي يـــبـــذل جـــهـــد ًًا كــبــيــرًًا لإنــتــاج عــروضــه، لكن غـيـاب الـتـرويـج الإعلامـــي يـتـرك الـقـاعـات فــارغــة، وهـــذا أقـسـى ما يمكن أن يواجهه الفنان. ويرى أن حل هذه التحديات يتطلب تـضـافـر الـجـهـود بـيـن الـجـهـات الـداعـمـة والمسرحيين والجمهور، إلى جانب دور الإعلام في تعزيز الوعي بأهمية المسرح وضمان استمراريته كجزء أساسي من الثقافة الأردنية. وأعرب حرب عن تقديره للدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة والـدائـرة الثقافية فــي أمــانــة عــمــان وبــعــض الـمـؤسـسـات الرسمية والـخـاصـة للمسرح الأردنـــي، لكنه أكد أن هذا الدعم لا يزال غير كاف لتحقيق الطموحات وتلبية الآمال. وقــال إنــه إذا أردنـــا أن نخلق مسرح ًًا حـــقـــيـــقـــيًًـــا ومــــبــــدع ًًــــا يـــنـــافـــس الأعــــمــــال الـمـسـرحـيـة الـعـربـيـة والـعـالـمـيـة، يجب أن يـكـون هـنـاك دعــم كبير ومـؤثـر يتيح للمسرحيين تجسيد رؤاهــم وأفكارهم دون أن يـضـطـروا لتقليص إبـداعـاتـهـم بسبب محدودية الموازنات المخصصة للمسرح. وأضاف حرب أن المسرح يحتاج إلى وسـائـل تمويل ذاتـيـة مـن خلال ترويج الفعال والتسويق وشباك التذاكر لجذب الجمهور ودعم العروض، مبيّّنًًا أن هذا يتطلب بنية تحتية قـويـة وعـــددًًا كافيًًا من المسارح التي تمكّّن المسرحيين مــن تـقـديـم عـروضـهـم عـلـى مـــدار الـعـام دون تحمل أعباء مالية كبيرة كتكاليف اسـتـئـجـار الــمــســارح أو أجــــور الفنيين والمعدات. بين الربح والمضمون الهادف وأضاف حرب أن تحقيق التوازن بين الـربـح الــمــادي والمضمون الـفـكـري هو تحد كبير يواجه المسرحيين، مبيّّنًًا أن المسرح بحاجة إلـى تمويل ليستطيع الإنــتــاج ودفـــع أجـــور العاملين فـيـه من ممثلين وفنيين ومصممي ديكور وأزياء وإضاءة وغيرهم، لكن هذا الكسب يجب ألا يـــكـــون عــلــى حـــســـاب تــقــديــم أعــمــال ســطــحـيـة أو هـــزيـــلــة تـــهـــدف فـــقـــط إلـــى التسلية والترفيه. وأكد أن الهدف يجب أن يكون تحقيق توازن بين استقطاب الجمهور وتحقيق الـــربـــح الــــمــــادي، مـــع الالــــتــــزام بـتـقـديـم مـضـمـون ثـقـافـي وفــكــري يـلـيـق بقيمة المسرح. ويــرى حـرب أن المسرح الناجح هو الـذي يحقق الربح المادي دون التنازل عن قيمته الفكرية والثقافية، ويجعل الجمهور يتفاعل معه كوسيلة للتفكير والـبـحـث عـن الـحـلـول، ولـيـس كوسيلة للترفيه فقط. ماذا نأمل لدعم المسرح الأردني؟ دعـــا ســـويـــدان إلـــى بـــذل جــهــود أكـبـر للترويج للعروض المسرحية بين فئات المجتمع المختلفة وخـاصـة الشباب، عبر توظيف وسائل الإعلام بشكل فع ّّال. وأكــــد أن الـفـعـالـيـات والـمـهـرجـانـات المسرحية تلعب دورًًا رئيسيًًا في نشر ثقافة المسرح وتعزيز وعـي الجمهور، ودورهــــــــا بــتــوفــيــر مـــنـــصـــات لـلـفـنـانـيـن للتواصل مـع ثقافات وتـجـارب جديدة، مـــشـــدد ًًا عـلـى ضـــــرورة تـكـثـيـف الـجـهـود لــزيــادة عــدد رواد هــذه الـفـعـالـيـات، من خلال تـعـزيـز الــوعــي الـثـقـافـي بــــدء ًًا من المدارس والجامعات. وبــــــــــدوره، طـــالـــب عــلــيــمــات بـــزيـــادة الـــفـــعـــالـــيـــات الـــمـــســـرحـــيـــة فــــي الـــقـــرى والـــمـــدن الأردنــــيــــة لــلــوصــول إلــــى كـافـة فئات المجتمع، مؤكدًًا أن المهرجانات المسرحية تشكل جزء ًًا مهم ًًا من الحراك الثقافي الـذي يساهم في نشر الثقافة المسرحية وتعزيز قيمتها في المجتمع. وشــــدد عـلـى ضــــرورة دعـــم الـمـسـرح وتــوفــيــر الـــتـــعـــاون الـمـسـتـمـر لـمـواكـبـة الـمـسـتـجـدات فــي هـــذا الــفــن، لافــتًًــا إلـى أهمية انعكاس الـتـطـورات المسرحية على المناهج الدراسية في الجامعات والمعاهد. بـــيـــنـــمـــا دعــــــا زيـــــــــادة الــمــســرحــيــيــن الأكاديميين في الجامعات إلـى تكثيف جهودهم عبر ورش عمل وبرامج تدريبية ت ُُقام خارج أوقات المهرجانات، مع عرض هذه الأعمال بشكل دوري في المسارح المحلية والمدارس والمعاهد. وأشــار إلـى أن المسرح الأردنـــي رغم التحديات يمكن أن يستفيد من الأحداث الجارية في العالم ودول الجوار، إذ توفر هــــذه الأحــــــداث مـــــادة غـنـيـة لـلـنـصـوص المسرحية سـواء بأسلوب كوميدي أو تراجيدي. وأكد زيادة أهمية تسليط الضوء على هذه القضايا عبر أعمال تجذب الجمهور وتـجـسـد واقــعــه مــن خلال أداء صــادق ومتميز على خشبة المسرح. ولــفــت إلـــى أن الــنــهــوض بـالـمـسـرح الأردنــــي يتطلب تـكـاتـفًًــا بـيـن القطاعين الحكومي والخاص، مشيرًًا إلى ضرورة أن تــســاهــم الـــشـــركـــات والــمــؤســســات الــخــاصــة فـــي دعـــم الــمــســرح مـــن خلال تقديم مبادرات ونصوص قوية تعبر عن قضايا المجتمع بسلبياته وإيجابياته. وتــــابــــع أن الاعــــتــــمــــاد الـــكـــامـــل عـلـى الـحـكـومـة وحــدهــا غـيـر كــــاف ٍٍ، داعــيًًــا إلـى تجنب المحسوبية و «الشللية» التي تضر بالعمل المسرحي وتحد من قدرته على التطور. وشــــدد زيـــــادة عـلـى أهـمـيـة تشكيل لــــجــــان مـــخـــتـــصـــة ومـــســـتـــقـــلـــة لـتـقـيـيـم الــــنــــصــــوص الـــمـــســـرحـــيـــة بــــعــــيــــد ًًا عــن المصالح الشخصية، مـع التركيز على تـــقـــديـــم نــــصــــوص تـــســـهـــم فـــــي تــطــويــر المسرح الأردني وإعادة جذب الجمهور المتعطش لمسرح حقيقي. وأعرب حرب عن أمله في أن يساهم المسرح الأردنـي في السنوات القادمة ا وأقل في جعل العالم مكانًًا أكثر جمالًا فــوضــى، مــن خلال الــمــزج بـيـن الشكل الجمالي والمضمون العميق والمؤثر. ودعا المؤسسات الحكومية والخاصة إلى تبني فن المسرح كجزء لا يتجزأ من الـثـقـافـة الأردنـــيـــة، لتحقيق إقــبــال أكبر من الجمهور وتفعيل دور المسرح في المجتمع. وأكــــــد ضـــــــرورة دمـــــج الـــمـــســـرح فـي الـمـدارس والجامعات، وتوسيع نطاقه ليصل إلى القرى والبوادي والمخيمات والمحافظات كافة، مطالبًًا بزيادة عدد الـــمـــســـارح وكـــلـــيـــات الـــفـــنـــون والـــــورش المسرحية لتأمين قــاعــدة جماهيرية قوية ومستدامة. وبـيّّــن حــرب أن الـمـسـرح دلـيـل على حضارة وتقدم المجتمع، مـشـددًًا على أهمية تأسيس فرقة وطنية للمسرح تعبر عن الطموحات الوطنية، بما يسهم في رفع مستوى وعي المجتمع الأردني وتطوره. بين محدودية الدعم وأزمة المضمون.. خشبة المسرح الأردني «متهالكة»؟!! ࣯ ج ود مقدادي و حمزة زقوت � ي رموك- س � صحافة ال تعبيرية
RkJQdWJsaXNoZXIy NTAwOTM=