٢٠٢٥ أيار 4 _ ١٤٤٦ ذو القعدة ٦ الأحد 4 شرفات ࣯ ي رموك – براءه عمايره � صحافة ال فـــي عـصـر هـيـمـنـت فـيـه وســـائـــل الـتـواصـل الاجتماعي على الحياه اليومية، تطورت الوسيلة لتصبح أداة فاعلة قـــادرة على تشكيل الــرأي العام وتوجيهه، ووفقا لاستطلاع أجرته جامعة فــإن 2017 نــــورث ويــســتــرن فـــي قــطــر لــعــام من المواطنين العرب يستمدون 79% حوالي أخـــبـــارهـــم بــشــكــل يـــومـــي مــــن خلال وســـائـــل التواصل الاجتماعي. وأمـا في الولايات المتحدة فأكثر من نصف السكان يحصلون على الأخـبـار بالاعتماد على وفقاًً 50% وسائل التواصل الاجتماعي بنسبه )pew Research Center لدراسة أجرتها ( ، وكـانـت مخاوفهم مـن انخفاض 2023 لـعـام جودتها وانحيازها سياسيًًا، كما اعتبر حوالي مــن العينة أن الــدقــة هــي أبـــرز مــا يثير 40% استياءهم عند الحصول على الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي . وتعد الانتخابات الأمريكية التي أجريت في خير مثال على شـده تأثير الأخبار 2016 عـام الـــزائـــفـــة عــلــى مــصــائــر سـيـاسـيـة كـالانـتـخـابـات الــرئــاســيــة فـــي أمـريـكـيـا وفــقــا لـــدراســـة أجـرتـهـا جـامـعـه ولايـــة لـويـز يــانــا، مــن إعــــداد كريستينا جـــورجـــاكـــوبـــولـــوس وجـــرايـــس مـــوريـــس الـتـي بـــدورهـــا أوضــحــت تـأثـيـر الأخــبــار الـمـزيـفـة في الانتخابات الأمريكية وتبين أنها ساهمت بتغير تصورات الناخبين. % 30 وأشــــارت الـــدراســـة إلـــى أن أكـثـر مــن من طلاب المدارس الثانوية اعتبروا حسابات فيسبوك المزيفة الـتـي روجـــت لـتـرامـب أكثر %80 مصداقية بسب عناصرها الرسومية، و مـــن الــمــشــاركــيــن فـــي الاســــتــــطلاع لـــم يـكـونـوا قادرين على تميز المحتوى الممول من الأخبار الحقيقية. بطبيعة الحال تسلط هذه الحقائق والأرقام الــضــوء عـلـى مـــدى تـأثـيـر الإعلام عـلـى تشكيل المفاهيم والـرؤى ويتصدر التساؤل: هل نحن أمــــام أدوات مـعـلـومـاتـيـه أم أسـلـحـة للتأثير والسيطرة؟ الإعلام كأداة لتوجيه عقول الرأي العام وسلوكياتهم يـــشـــكـــل الإعلام الـــــيـــــوم الــــعــــقــــول ويـــوجـــه السلوكيات بوعي أو بدونه، مّّا يحول منصات الأخبار إلى أدوات تأثير تخدم مصالح محددة، تاركة المجتمعات بين التنوير والتضليل. وقـــال الـعـضـو الـسـابـق فــي مجلس الـنـواب الــصــحــفــي نـبـيـل غــيــشــان إن وســـائـــل الإعلام تستخدم عـمـدا فـي توجية سلوكيات الافـــراد، كنشر الأخبار الكاذبة، مبينا أنها أصبحت جزءا مــن دور الإعلام فــي الـعـصـر الـحـالـي بــرغــم أن قواعد الإعلام تشدد على ضرورة أن يكون الإعلام محايدا وهو اليوم جزء من المعركة في العصر الحالي. وأوضح غيشان أن مقولات الحياد في الإعلام سقطت تماما في وقتنا الحالي، حيث تمارس جميع وسائل الإعلام الدولية والعربية بدون أن يستثني أي منهم دورا متعمدا في توجيه الرأي الـعـام فـي الأحــــداث السياسية أو الاجتماعية الكبرى، لافتا إلـى قناة فوكس نيوز وأنحيازها بشكل واضح للرواية الإسرائيلية، بينما تتفاوت تغطية قناة الجزيرة بين الانحياز في تغطيتها للحرب على غزة والحرب في سوريا. وعــلــى صـعـيـد مـتـصـل، قـــال أســتــاذ الـعـلـوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة اليرموك الدكتور محمد بني سلامـة إنه يُُمكن أن يكون الإعلام أداة للبناء أو الهدم في المجتمع، وأن تـأثـيـره يعتمد على نوعية المحتوى وطريقة اسـتـخـدامـه، مـشـيـرا إلــى أن التربية الإعلامـيـة والتفكير النقدي هما الوسيلتان الأساسيتان لضمان أن يظل الإعلام أداة للتنوير وتعزيز الـــوحـــدة الــوطــنــيــة، ولـــيـــس أداة للاسـتـقـطـاب والتضليل. كيف تستخدم الخوارزميات والتحليل الرقمي في صناعة التوجهات الجماهيرية؟ الخوارزميات تتحكم اليوم في توجية الأخبار والمحتوى بناء على بيانات دقيقة عن سلوك المستخدمين، مّّــا يـعـزز قـدرتـهـا على تشكيل آراء الجماهير، ومع ذلك هذه التأثير لا يتوقف هنا فقط بل يمتد إلى تكرار الرسائل وتوجيه الـمـواقـف السياسية، ليضع الإعلام فـي لقب المعركة الرقمية. ويـرى خبير الإعلام الرقمي ابراهيم حمدان أن الـــخـــوارزمـــيـــات تـسـتـخـدم لـتـوجـيـه الأخــبــار والـــمـــحـــتـــوى نــحــو جــمــهــور مــعــيــن عـــن طـريـق تحليل الـبـيـانـات الضخمة المتعلقة بسلوك المستخدمين، مثل اهتماماتهم، تفضيلاتهم، وتفاعلاتهم السابقة على المنصات، موضحا أن هذه التحليلات بناء عليها، تُُستخدم تقنيات مثل التعلم الآلي لتصنيف المحتوى وتوصيله إلى جمهور مستهدف بناء على معاير محددة، مثل العمر، والموقع الجغرافي، أو الاهتمامات الشخصية م ّّا يتيح للمعلنين وصناع المحتوى إيصال الرسائل بشكل أكثر دقة. وأضـاف حمدان أن الجمهور يمتلك أدوات أكثر من أي وقت مضى، كإمكانية التحقق من الحقائق عبر مـواقـع مستقلة، وفـهـم تقنيات الإعلام الـمـضـلـل مـــن خلال حــــملات الـتـوعـيـة الرقمية، لافتا إلى الحاجة لتطوير مهارات التفكير النقدي بشكل أكبر لدى الأفــراد، بالإضافة إلى تعزيز التعليم الإعلامي لمساعدة الجمهور في التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة. من جانبه، أشار الدكتور محمد بني سلامه إلى أن التكرار يجعل الرسائل أكثر رسوخ ًًا في أذهان الجمهور، معتبرا أن تركيز وسائل الإعلام على رسالة إيجابية متكررة عن مرشح انتخابي معين أو سياسة حكومية، يصبح من المرجح أن يتبناها الجمهور ويؤيدها. ويعتقد بني سلامه بأن طريقة تقديم القضية أو الخبر تحدد كيفية استجابة الجمهورعن طريق تفعيل الأطر الإعلامية كالانتخابات، فإذا تم تأطير الانتخابات على أنها فرصة لتغيير الوضع الراهن، فإن ذلك يحفز الجمهور على التصويت. وأضاف أن السياسات الحكومية، عند تأطير السياسة الاقـتـصـاديـة تـــروج لها بأنها «خطوة ضرورية للإصلاح»، وبالتالي فإن الجمهور يصبح ا لـدعـمـهـا وهـــي تـقـنـيـات يستخدمها أكـثـر مـــيلًا الإعلام في التأثير على موقف الناخبين أو دعم السياسين. التحرر من السيطرة الإعلامية مع تزايد هيمنة الإعلام المدعوم بالتمويل الكبير، أصبح التمييز بين الحقيقة والتضليل أكثر صعوبة، والإعلام اليوم يمتلك قدرة كبيرة عـلـى الـتـأثـيـر، خــاصــة فــي الـقـضـايـا الـحـسـاسـة، وأصـــبـــح الـــوعـــي والــتــفــكــيــر الـــنـــقـــدي الأسـلـحـة الوحيدة أمام هذا التدفق المعلوماتي الموجه، لكن هل نحن مستعدون لتحرير أنفسنا من هذا التأثير؟ ويلفت الصحفي نبيل غيشان إلى أن سطوه الإعلام الـيـوم أصبحت كبيرة خـاصـة الممول بسخاء ويعني بذلك عـدم استطاعة المواقع الإلكترونية أو الصفحات غير الممولة التأثير ا ًا بنفس القدر مقارنة بتلك التي تمتلك أمــوال ضخمة، مشيرا إلى أن الوعي هو العامل الوحيد الذي يمكن الأفراد من التحرر من تأثيرات الإعلام غير الحقيقة وبلا مهنية. وأضـاف غيشان أن مجرد الدراية بالتقنيات الإعلامــيــة لا تكفي، مـؤكـدا أن التفكير النقدي بـالـغ الأهـمـيـة وخــاصــة عـنـد قـــادة المجتمع بلا تعميم علة الجمهور و هو الأساس في التصدي للتوجيه الإعلامي السلبي، وما أكثره في قضايا مثل غزة ولبنان هذه الأيام. مـــن جــهــتــه، قــــال بــنــي سلامـــــة إن الـتـربـيـة الإعلامـــيـــة يـمـكـن أن تـسـاعـد بـــرامـــج التثقيف الإعلامـــــي الـمـواطـنـيـن عـلـى فـهـم كيفية عمل الإعلام، وكيفية التحقق مــن مــصــادر الأخــبــار، مـشـددا على أن لاعتماد على مـصـادر إعلامية متنوعة يساعد في تقليل احتمالية الوقوع في فخ التضليل. وأكد أن التفكير النقدي يشكل أداة أساسية لتمكين الأفراد من تحليل المعلومات والحكم على مصداقيتها. وأشار إلى أن التحديات التي تواجه المواطن العادي في فصل الحقيقة عن الدعاية السياسية الإعلاميةترتبطبتزايدحجمالمعلوماتالمضللة والدعاية السياسية، قيصبح من الصعب على المواطن العادي التمييز بين الحقيقة والدعاية، بخاصة في ظل اعتماد الكثير من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر أساسي للأخبار، لافتا إلى إمكانية تعزيز قدرة المواطن على التمييز بين الحقيقة والدعاية إذا تم دمج مفاهيم التربية الإعلامية في المناهج الدراسية وتعزيز الوعي العام. الهويات السياسية والاجتماعية تحت تأثير الإعلام للإعلام قدرة على تشكيل الهويات السياسية والاجتماعية، إما بتقريب الناس من قضاياهم أو بتعميق الانقسامات، وعندما يستغل لتوجيه الروايات بعيدا عن مطالب الجماهير، يساهم في تعزيز الانقسامات بدلا من الوحدة الوطنية، م ّّا يبرز الحاجة للإعلام الحيادي والمسؤول الذي يعكس الواقع. وأشار الصحفي نبيل غيشان إلى أن الإعلام الأردني كأي إعلام يكون مؤثرا من خلال اقترابه من الناس والتعبير عن مظالمهم ومطالبهم أو حتى أمنياتهم أي يكون مؤثرا عندما يقترب من الناس وليس من الحكومات ويكون عينا للمواطن على أعمال كل السلطات وليس فقط السلطة التنفيذية. وأضاف غيشان أن إدراك الناس لدور الإعلام لا يشعر بـه أحــد إلا إذا كــان مـنـحـازا بـشـدة في روايته لعكس رغبات الجماهير ويمكن للإعلام أن يأخذ دورا وسطا لكنه لا يتجاهل نقاطا مهمة في مطالب الناس وخاصة المطالب المعيشية. وبـمـا يتعلق بـالانـقـسـامـات الـسـيـاسـيـة في المجتمعات، يـرى الدكتور محمد بني سلامة أن بمقدرة الإعلام، بخاصة إذا كــان مـنـحـازًًا أو موجه ًًا، تعزيز الانقسامات السياسية من خلال تأطير قضايا معينة بطريقة تفرق بين الجماعات المختلفة، لافتا إلى أن الدول العربية، تستخدم الاعلام لتعزيز الاستقطاب الحزبي أو الطائفي. وحذر بني سلامة من أن تركيز الإعلام على الاخــــتلافــــات بــــدلا مـــن الــنــقــاط الـمـشـتـركـة بين مكونات المجتمع، فإنه يعرض الوحدة الوطنية للخطر والتهديد ،كالتغطية الإعلامية التي ت ُُعطي الأولوية للأجندات الطائفية أو الحزبية تؤدي إلى تعزيز التوترات والانقسامات، مشيرا إلـى أن الإعلام المسؤول يمكن أن يكون أداة للوحدة الوطنية إذا ركـز على تقديم الحقائق بحيادية وسعى إلى تعزيز الحوار البناء بدلا من الصراع. كيف يؤثر الإعلام على تشكيل الرأي العام في ظل التضليل و التوجيه السياسي؟ تصميم : براءة عمايرة ࣯ ج ود مقدادي � ي رموك- س � صحافة ال فـــي عـصـر الـعـولـمـة والانـــفـــتـــاح الـمـتـسـارع، أصــبــحــت الــثــقــافــات تــتــداخــل وتــتــأثــر ببعضها الــبــعــض بـــطـــرق غــيــر مــســبــوقــة، ومــــع دخـــول التكنولوجيا الحديثة والإعلام الرقمي إلى حياتنا اليومية، تعاظم تأثير الثقافة الغربية وثقافات أخرى على المجتمعات العربية، ما أثار تساؤلات كثيرة حول الاجتياح الثقافي وأثره على الهوية والقيم المحلية. ويُُنظر إلـى الاجتياح الثقافي كإحدى أدوات السيطرة الناعمة التي تتسلّّل إلـى المجتمع من خلال الإعلام، التعليم، الفن، وحتى الاقتصاد، لتعيد تشكيل الـذوق العام وأنماط الاستهلاك وأســلــوب الـحـيـاة، ولـكـن هـل هــذا الاجـتـيـاح هو نتيجة حتمية للانفتاح والتطور؟ أم أنـه تهديد صريح يهد ّّد بطمس معالم الهوية العربية؟ الثقافة كأبرز مقو ّّمات النهضة قال الكاتب هزاع البراري إن الهوية الثقافية تعد جوهر هوية أي أمة، مشير ًًا إلى أنها الحصن الـمـنـيـع الــــذي يــهــدد أي مـــشـــروع اسـتـعـمـاري يسعى للتفكيك أو التذويب. وأضـــاف أن قــوة الهوية الثقافية تكمن في قـدرتـهـا على الـصـمـود أمـــام مــحــاولات المحتل لإضـعـافـهـا، مـوضـح ًًــا أن الأمـــة العربية مـا زالـت تــواجــه مـخـاطـر وجــوديــة واسـتـعـمـاريـة تتطلب تعزيز حماية هويتها الثقافية. وذكــر الـبـراري أن الجهود المبذولة في هذا الإطــــار تشمل حـفـظ الـلـغـة الـعـربـيـة، وتشجيع الكتابة العلمية والأدبـيـة بها، إذ إن الجامعات ومـــجـــامـــع الــلــغــة الــعــربــيــة ووزارات الـثـقـافـة والـمـؤسـسـات الأهـلـيـة لعبت دورًًا مـهـمًًــا في الـحـفـاظ عـلـى الــتــراث الـثـقـافـي ونـقـلـه للأجـيـال القادمة. ولـفـت إلــى أن هــذه الـجـهـود تـواجـه تحديات كـبـيـرة، أبـــرزهـــا الـتـمـويـل الــمــحــدود والـتـمـويـل المضاد، إلى جانب التوسع في استخدام اللغات الأجنبية على حساب اللغة الأم، ما يقلل من فرص العمل المرتبطة باللغة العربية. وأشـــار الــبــراري إلــى ضـــرورة إطلاق مشاريع كبرى تهدف إلى تعزيز الثقافة الوطنية العربية، ودعم الإنتاج باللغة العربية والعمل على حفظ الــتــراث الــمــادي وغـيـر الـــمـــادي، وذلـــك لضمان حماية الهوية الثقافية العربية وجعلها منطلقًًا للتنمية المستقبلية. واستشهد بالتجارب العالمية التي أثبتت أن الحفاظ على الهوية الثقافية لا يتعارض مع التقدم، موضحًًا أن ثقافات شـرق آسـيـا، مثل الـيـابـان والـصـيـن، قـدمـت نـمـوذج ًًــا ملهم ًًا في تحقيق النهضة مع الحفاظ على الهوية الثقافية. وتـــابـــع الـــبـــراري «الـــيـــابـــان رغـــم ريــادتــهــا في الـتـكـنـولـوجـيـا والــصــنــاعــة، اعـتـمـدت عـلـى إرثـهـا الثقافي كركيزة أساسية للتطوير، مما جعل هويتها الثقافية إحدى دعائم التنمية والحداثة، ا ، فقد اعتمدت على ثقافتها العريقة والصين مثل ًا لتعزيز التماسك المجتمعي، مما ساهم في بناء أكبر اقتصاد في العالم، مع تعزيز ثقافة العمل والإنتاج والتميز». ودعـــا إلــى استلهام هــذه الـتـجـارب العالمية لـخـدمـة الـثـقـافـة الـعـربـيـة، والـعـمـل عـلـى جعل الــهــويــة الـثـقـافـيـة الـعـربـيـة أحـــد أبــــرز مـقـومـات النهضة المرجو ّّة. بينما قـال الكاتب مفلح الـعـدوان، إن هناك أشكال عديدة للاجتياح الثقافي، ومراحل وتاريخ ا مـن أشكال لـهـذا الـمـفـهـوم، الـــذي يعتبر شـــكلًا الغزو الثقافي، إذ تكون الممارسات من قبل مجتمع مهيمن سياسيًًا واقتصاديًًا وعسكريًًا على مجتمعات أخــرى لفرض ثقافته وعـاداتـه وتقاليده، امـتـدادًًا إلـى اللغة والـديـن والأعــراف الاجتماعية والأخلاقـيـة، وحتى الآداب والفنون وما تعكسه من ثقافة تلك الهيمنة. وتابع الـعـدوان «هـذه الظاهرة قديمة، ربما طرحها كمفهوم جاء حديثًًا، ولكن بالعودة إلى ا ، فقد رافق انتشارها الإمبراطورية الرومانية مثل ًا الــعــســكــري واحـــــدة مـــن أقـــــدم صــــور الاجــتــيــاح الثقافي، والتي ما زالـت آثارها المادية حاضرة في كل الأماكن التي احتلّّتها ووصلت إليها». وأضـاف «إذا كانت القوة العسكرية موجهة وفـارضـة لثقافة الأقــوى قديمًًا، فإنه في الغزو الثقافي الحديث، هناك أدوات أخرى كثيرة قادرة ا عـن الجوانب على فــرض ثقافة المهيمن بــدلًا الـعـسـكـريـة، فـهـنـاك الــمــمــارســات الاقـتـصـاديـة والسياسية التي ظهرت على هيئة ما يتم فرضه تحت عناوين كثيرة؛ كالتجارة الدولية، والتنمية الصناعية، والاستثمار الأجنبي، والمساعدات الـدولـيـة، والتمويل الـمـشـروط وغـيـرهـا، باسم التحسين والتطوير والانفتاح للدول النامية». الاستهلاكية الماد ّّية والاجتياح الثقافي أما من ناحية الاقتصاد، قال الخبير الاقتصادي فـائـق حجازين إن ثقافة الاســتــهلاك المرتبطة بالماركات العالمية أصبحت جزء ًًا من المجتمع الأردنــي، مشيرًًا إلى أن الأردنيين يتفوقون في هــذا الـمـجـال على مجتمعات غنية مثل دول الخليج. وأعـــرب حجازين عـن صدمته نتيجة لوجود نتائج دراسة أجرتها شركة تسويق عالمية أظهرت تأثر المجتمع الأردنـــي بشكل كبير بالماركات العالمية، إذ أظهرت الدراسة أن الأردنيين في بعض الأصناف يتفوقون على دول الخليج في اتباع الموضة واقتناء العلامات التجارية الراقية. وأشـــــــار إلـــــى أن هـــنـــاك إقــــبــــالا واضــــح ًًــــا مـن المستهلك الأردني على الماركات الأجنبية ذات الجودة العالية، حتى وإن كان سعرها أعلى من المنتجات المماثلة، موضحًًا أن السبب وراء ذلك يعود إلى قناعة المستهلك الأردني بأن هذه الماركات تمنحه قيمة كبيرة، سواء من الناحية الاجتماعية أو النفسية، حيث يشعر بتميزه عند اقتنائها والظهور بها بين زملائه. وأضاف حجازين أن تأثير العلامات التجارية العالمية لم يقتصر على أنماط الاستهلاك فقط، بـل امتد إلـى أنـمـاط الإنـتـاج أيـض ًًــا، لافـتًًــا إلـى أن هناك منتجين محليين بـدأوا بتقليد العلامات التجارية العالمية، مّّــا أدى إلـى ظهور منتجات بـــجـــودة أقــــل لـكـنـهـا تــحــاكــي الــشــكــل والـمـظـهـر الخارجي للماركات الأصلية. وذكــــر أن الـمـطـاعـم والــمــقــاهــي فـــي الأردن أصبحت تمثل «انـعـكـاس ًًــا للنمط الاستهلاكي الغربي السائد في المجتمع»، إذ يتزايد الإقبال على الماركات الأجنبية والمطاعم التي تحاكي الـمـطـابـخ الـغـربـيـة مـثـل الأمـريـكـيـة، الإيـطـالـيـة، والفرنسية. ا ًا وبي ّّن حجازين أن هذه المطاعم شهدت إقبال واسعًًا من الأردنيين، إلا أن حـملات المقاطعة الأخيرة أث ّّرت بشكل واضح على الإقبال على هذه المرافق، مضيفًًا أن أحد الجوانب السلبية في هذا النمط هو الاعتماد المتزايد على الوجبات السريعة، التي تُُعتبر غير صحية، حيث أصبح الأردنيون ينفقون عليها أكثر مما ينفقون على الطعام التقليدي المحضر في المنازل. وأوضـــح أن هــذا الاتــجــاه يظهر بـوضـوح عند تــحــلــيــل بـــيـــانـــات «دراســــــــة إيـــــــــرادات ونــفــقــات الأسرة» الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، والتي تكشف أن النمو في الإنـفـاق يتركز على الاتصالات والطعام، وخاصة الوجبات المرتبطة بالمطاعم السريعة، بينما لم يشهد الإنفاق على المواد الأساسية، التعليم، المسكن، الملابس، أو العلاج نفس الزيادة. ولــــفــــت حــــجــــازيــــن إلــــــى أن هــــــذه الأنــــمــــاط الاستهلاكية المستجدة تُُعتبر مـدعـاة للقلق، مؤكد ًًا ضرورة توجيه الأسر الأردنية نحو العودة إلى العادات الغذائية السليمة التي تعتمد على تحضير الـطـعـام فـي الـمـنـازل، وتقليل الإنـفـاق المفرط على المطاعم والمقاهي، دون الدعوة إلى مقاطعتها بالكامل، ولكن عبر تبني سلوك استهلاكي أكثر توازنًًا. الفرق بين «المثاقفة» والاجتياح الثقافي ا ًا بيّّن الكاتب مفلح العدوان أن هناك تداخل بـيـن الاجـتـيـاح الـثـقـافـي والاجــتــيــاح الـفـكـري، إذ ا في نهايات إن التعدي على اللغة العربية مـثلًا الفترة العثمانية بفرض اللغة التركية، والحصار على تعل ّّم العربية، يعد غزو ًًا ثقافي ًًا أث ّّر على أجيال وفيه نـوع من التجهيل ومحاولة إحلال ثقافة مكان أخرى، وهذا في الجانب المباشر الثقافي، ولـكـن الـجـانـب الأخـــطـــر، بحسب تـعـبـيـره، فإنه الاجتياح الفكري الناتج عن تلك الممارسات، في سيطرة لغة الغالب على المغلوب، والتخل ّّي عن العادات والتقاليد، وغسل أدمغة الشباب، والانـــــزيـــــاح فـــي طــريــقــة الــمــعــيــشــة والــلــبــاس والموسيقى والتاريخ، بحيث تكون حالة إحلال للثقافة وفكر المسيطر على المسيطر عليه. وتـــابـــع مـــع الــتــطــور الـتـكـنـولـوجـي، ووســائــط الاتصال الحديثة، والانترنت والسوشيال ميديا، صار هناك اجتياح ثقافي وفكري بطرق وأساليب أكثر خطورة وأوسع انتشارًًا، من خلال المحتوى الثقافي والفكري الـذي يتم فيه إغـراق الفضاء الــرقــمــي، والــفــضــائــيــات، والــــدرامــــا والـسـيـنـمـا، فـي مقابل المحتوى العربي الضئيل، لتكون ا عن خصوصيات الثقافات العولمة الثقافية بديل ًا ا ًا ومرجعياتها الفكرية الثقافية والتاريخية، وصول إلى همينة الثقافة الغربية على مساحات كبيرة من مجتمعاتنا، خاصة لدى فئة الشباب فيها. وأكّــــد الـــعـــدوان أن تحقق الإرادة الــحــرّة في الجذر هو الأهم في الفرق بين الانفتاح الثقافي والاجتياح الثقافي، لوجو طرفين في المعادلة، حيث يـحـدّد كـل طــرف مـا يـريـده ويحتاجه من الآخــر، بحيث يتم بالوسائل المشروعة، وعلى أســــاس مـخـاطـبـة الـعـقـل بـــشـــروط فـيـهـا حـريـة كـامـلـة لـلـفـهـم والــنــظــر والـــحـــوار والــنــقــد، ففي الانفتاح الثقافي شرفة إيجابية للاختيار بوعي من الثقافات الأخرى، بينما الاجتياح فيه إجبار وإلزام وفرض للثقافة من طرف واحد مسيطر. واستشهد باقتباس للمهاتما غاندي «إنني أفتح نوافذي للشمس والريح، ولكنني أتحدّى أيــة ريــح أن تقتلعني مـن جــــذوري»، مبينًا أن هذه المقولة توضح الفرق بين الانفتاح الفكري «الـمـثـاقـفـة» وبـيـن الاجـتـيـاح الـثـقـافـي «الـغـزو الـثـقـافـي»، فالمثاقفة تعتبر مــن أهـــم آلـيـات حوار الحضارات، في حين أن الاجتياح يتضمّن رغبة المسيطر في محو الآخر، وإلحاقه وفرض التبعية عليه، ومعاملته بنظرة فوقية مهيمنة. تعبيرية الاجتياح الثقافي وتأثيره على الهوية العربي ّّة كيف نحافظ على قيمنا في عصر العولمة؟
RkJQdWJsaXNoZXIy NTAwOTM=