٢٠٢٥ أيار ٢٥ _ ١٤٤٦ ذو القعدة ٢٧ الأحد 4 شرفات ࣯ ي � ي رموك- نور العاص � صحافة ال رأت وجـهـهـا فــي الـــمـــرآة لـلـمـرة الأولــــى بعد الاحـــتـــراق، بـإجـبـار مـن المحقق «الإسـرائـيـلـي» فـي مستشفى هـداسـا بعد غيبوبة استمرّّت ا إياها باستهزاء «هل هذا منظر يوم ًًا، سائلًا ٩١ ا »، رفـعـت يديها امــــرأة؟ أنـــت الآن مــهــرج فــــعل ًا بصعوبة وثقل مشيرة للمرآة «هل تراها هذه الأُُنثى؟ يوم ًًا ما ستسمع أنها أقوى من أي وقت مضى، وأنها استعادت كل شيء، وحقّّقت كل ما رغبت بتحقيقه». إســـراء جميل جعابيص، الـمـرأة التي كانت تعيش حياتها كـأي امـرأة في القُُدس المحتلّّة «تُُحاول أن تكون شخص ًًا منتج ًًا ولا تملك وقتًًا لتفاهات الـحـيـاة»، مـتـزوّّجـة وأم لطفل يُُدعى معتصم، توصله للمدرسة في كل صباح وتعيده منها في الظّّهيرة، تــدرس التربية الخاصة في الكليّّة الأهلية، وتعمل تطوع ًًا كـ»مهر ّّج» تربوي فـــي الــــمــــدارس لإيـــصـــال الــمــعــلــومــة بـأسـلـوب الحكواتي للأطـفـال، قُُبيل اللحظة التي كتبت .٢٠١٥ البداية لنهاية كل هذا عام يوم الحادثة في طريقها من منزلها في أريحا إلى منزلها فـــي الـــقـــدس، بـرفـقـة تــلــفــاز وملابـــــس وأنـبـوبـة غــــاز، وبــالــقــرب مــن حــاجــز “الـــزعـــيّّـــم”، تعطلت ســيــارة إســــراء فــي طـريـق مخصص لـلـحـافلات وسيارات الإسعاف فقط، فاقترب منها شرطي “إسرائيلي” طالبًًا منها فتح الشباك، لكنها لم تتمكن من ذلــك، مشيرة إلـى أنها تكاد تختنق من رائحة منبعثة من السيارة، وفجأة، اشتعلت الــنــار مــن “الـتـابـلـو” دون أي مسبب خـارجـي، ملتهمة السيارة.. وجسد إسراء. وفي مشهد يفتقر إلى الإنسانية، استجمعت إســـراء قـواهـا ووقـفـت قــرب بــاب الـسـيـارة بعد الـخـروج، وأفــادت أن أحـد الجنود قيّّدها بيديه، فـي حين وج ّّــه ثلاثــة آخـــرون أسلحتهم نحوها، فراحت تصرخ «بلا تخو ّّت! وين السكين!» بعد طلبهم منها رمي السكين الذي لم تكن تحمله من الأساس. مشت إســـراء خطوتين بعدها ولـم تتمالك قـــواهـــا فـسـقـطـت أرض ًًـــــــا، حــيــث بــــدأ الـتـحـقـيـق الميداني في الشارع وعلى الأرض دون تقديم أي إسـعـاف أولــي لشخص طالت الـحـروق أكثر من نصف جسده، وبحسب ما أوضحت إسراء فإن «السبب يعود إلى محاولة الاحتلال انتزاع أكبر قدر ممكن من المعلومات تحت الضغط، إذ يتركون الإنسان يتصفى في الشارع ومن ثم يقومون بإسعافه». وعن شعورها حينها تقول «كنت أشعر بهدوء المكان، رغم الحركة والص ُُّراخ من حولي، وكأنّّني على كوكب آخر، لا أرى إلا الس ّّماء، الس ّّماء التي بدت لي أكثر صفاء يوم ََها من أي وقت مضى». اد ّّعــــى الاحــــتلال إخــــراج إســــراء مــن الـسـيـارة وإطفاء الحريق، لكن الحقيقة أن شاب ًًّا فلسطيني ًًا كــان يستقل الحافلة التي خلفها هـو مـن قام بـــذلـــك، وهـــو ذاتــــه الــــذي حــــاول ســتــر جسدها بقميصه بعد أن جـرّّدوهـا من الـملابـس تمامًًا في الشارع، فقاموا بضربه والاعتداء عليه بينما الدمع والحرقة لا تفارقان عينيه طالب ًًا من إسراء مسامحتََه على عجزه. عندما يكون العلاج جريمة على السجان بطبيعة الحال أن يعالج الأسرى المصابين وفقًًا للمعايير الطبية، إلا أن جيش الاحـــتلال عالج إســـراء بطريقة مغايرة، مرتكبًًا ا مـتـعـمـدًًا ومـمـاطـلـة فــي تقديم بحقها إهـــمـــالًا العلاج، التلكؤ الطبي الذي أدى إلى تدهور حالتها بشكل كبير، رغم أنه كان من الممكن تقليص الضرر لو تم تقديم الرعاية اللازمة لها في الوقت المناسب. يتجلى هـــذا الإهــمــال فــي قـيـام الممرضات باستخدام مـراهـم علاجـيـة غير مناسبة لحالة إســـراء؛ ليلتصق الـشـاش بالحرق بهدف زيـادة الألـم عند إزالته، انتقامًًا وسعيًًا للحصول على اعترافات.. في مشهد تتحول به ملائكة الرحمة إلى ملائكة عذاب. وعــن بتر أصابعها تـؤكـد إســـراء أن «الحالة لـــم تـكـن تـسـتـدعـي ذلــــك، فـقـد رأيـــــت أصـابـعـي كالنقانق يوم الحادثة، كانوا بحالة جيدة! وعندما استيقظت كانت متفحمة بأطراف سوداء، هذا بــخلاف الحرق بعد البتر»، إشـــارة منها أنها لم تتعرض للاحــتــراق مـــرة واحـــدة فـقـط، بـل ثلاث مرّّات وعن سابق إصرار. وأوضحت إسـراء أن جيش الاحـتلال يتقص ّّد تعيين أطباء غير مؤهلين ولا ماهرين للاعتناء بالأسرى الفلسطينيين، وكأنهم يتدربون عليهم، فــي حـيـن يـتـم تخصيص الأطـــبـــاء ذوي الخبرة والمهارة للـ»إسرائيليين». جرح مقيد بالأغلال بعد مـا يـقـارب الـثلاثـة أشـهـر، غـــادرت إســراء الــمــســتــشــفــيــات كـــمـــريـــضـــة لـــتـــدخـــل ســجــون الاحـتلال كأسيرة رسمية، ولم تكن حياة الأسر سنوات أقل قسوة من مرحلة ٩ التي استمرّّت العلاج. اســتــقــبــلــت الأســـــيـــــرات إســــــــراء فــــي غــرفــة المعتقل، باستثناء أسـيـرة واحـــدة، لـم تسلم عليها، بل كانت تكتفي بنظرة خاطفة قبل أن تهرب، إلا أن إسـراء لم تتأثر بذلك، كطالبة في مجال التربية الخاصة فهي تدرك أن لكل شخص قدرات مختلفة جعلتها لا تتقبل ذاتها في وضعها الجديد فحسب، بل ردود فعل الآخرين تجاهه أيضا. تعبّّر إسراء عن أسفها لفكرة أن أسيرات في مرحلة الطفولة كن مجبرات على رؤية «أسيرة مشوهة»، فالطفل لا يــدرك أن هـذا إنـسـان، لا يدرك إلا أنه خائف، مستجيبًًا لنداء فطرته التي ج ُُبلت على رؤية كل جميل. وفي شكل من أشكال العذاب النفسي، تعمد الاحـــــتلال تـعـريـض إســــراء لـسـجـانـات جـمـيلات بـأظـافـر ملفتة ومطليّّة، محاولين استفزازها بأكل بـذور «عباد الشمس» التي كان يصعب عليها أكلها آنـــذاك دون أصـابـع، مـا دفـع إسـراء إلى أن تقسم بأن تناول بذور «عباد الشمس» سيكون أول أمر تفعله بمجرد فتح يديها، وإن كان هناك ما هو أصغر من البذور ستمسك بك أيض ًًا. أنين الحنين خلف القضبان يشتاق المرء لأهله وهو خارج المعتقل، فيها تفهم فـورًًا أو يزورهم حتى، لكن الشوق داخل المعتقل مختلف، يفوق الشوق خارجه بمئات المرات، هنا لا الشوق فقط، هنا الإذلال أيضا. تقول إســـراء إن الـذكـريـات الجميلة تجعلنا نتمس ّّك بفكرة أننا سنستعيدها يـومًًــا مـا مع أهلنا وأحـبـائـنـا؛ فـالـذكـريـات هـي الـشـيء الـذي يرطب جفاء السجن، والحبل الأقــوى والأطـول الذي يسمح لك بالسير نحو الأمام. تستذكر إسـراء أهلها داخـل الزنزانة، تتأمل صورهم المعلقة أمـام عينيها، تتخيلهم حولها في ذلك المشهد، وهي التي في أمس الحاجة إلــى تـواجـدهـم بجانبها، مستخدمة الذكريات كقطرات ماء تُُطفئ لهيب الحنين. كانت زيـــارات الأهــل جميلة ومؤلمة، هكذا وصفتها إسراء، «فرغم الصعوبات التي تتعرض لـهـا وأهـــلـــك لـيـتـمـكـنـوا مـــن زيـــارتـــك معرضين أنفسهم للخطر بتسجيلهم أقرباء لـ»الإرهابي» فلان، وجعلهم ينتظرون لساعات طويلة رغم أنها مجرد «فشقة حجر»، إلا أن شعورك بمساندتهم يكون بمثابة مرهم لجروحك». الأم الأسيرة لم تكن إسراء مستعجلة لرؤية طفلها، الأمر الذي لم يدركه أحد، ولا حتى أهلها، كانت خائفة من نظرة الخوف في عينيه عندما يراها. أشـهـر زارهـــا معتصم، الطفل ٧ بعد سنة و ذي التسعة أعوام، تقرر إسراء استقباله بهيئة «نمر» كان متعودًًا عليها قبل الأسـر، محاولة تخفيف وطـأة اللقاء بإقناعه أن «روح الفكاهة واللعب هـذه لم تـزل بداخلي، شكلي لم يغيّّر مضموني». يـطـلـب معتصم مــن والـــدتـــه ألا تـذهـب إلـى مدرسته عندما تخرج من المعتقل، فهو لا يريد أن يرى أصدقاؤه وجهها ويديها، واصفة إسراء ذلك المشهد: «فـور خروجه عدت إلى زنزانتي برفقة دموعي، لم أستطع تمالك نفسي». في زيارة أخرى يعود معتصم لغي ّّر رأيه، راجي ًًا من والدته بأن تأتي وتلاعب «أولاد صفه» فور خروجها، ربما فكر في الأمر مليًًا، أو وج ّّهه أحد من الكبار. كــان معتصم، رغــم كـل مـا مــرت بـه إســـراء، ا لفكرة «أن هذه أمي»، مهما حصل لها، متقبل ًا بحلوها ومرها، بوجهها ويديها، «هي أم ّّي». متن ّفّس خلف الأسوار كــان مـن الصعب على إســـراء إعـــادة تأهيل يديها لممارسة أي حرفة، لكنّّها تمسكت بحقها فـي اتـخـاذ الـقـرار، قائلة: «ليس السجان الـذي يستطيع إذلالــــي، ليس هـو مـن يـقـرر إن كنت سأخرج من هنا مجنونة أم بعقلي». الهوايات من كتابة ورسم وصنع إكسسوارات وألعاب كانت تعني لإسـراء الإنجاز، ساعية بها ا من إهدار وقتها لتشتيت ذهنها عن الألم، بدلًا فـي البكاء على مـا فقدته، مـن شكل وأطـــراف وأحب ّّة. التعليم كأداة مقاومة بين جـدران ضيقة، تعوّّل إسراء على عقلها، الذي تعتبره «أهم بكثير من المظهر والأطراف المبتورة»، متمس ّّكة بأحلامها وأفكارها العصيّّة على قيد السج ّّان. لــــم تـــتـــخـــرج إســـــــراء مــــن تــخــصــص الــتــربــيــة الخاصة، ولـم تعد ترغب في ذلـك بعد الآن، إذ أدركت أن الخبرات والتجارب العملية قد تكون أكثر قيمة من الشهادات الأكاديمية؛ فإسراء قبل المعتقل كانت تُُناسبها التربية الخاصة، ولكن بعد ََه تغيّّرت أو ّّلوياتها. تــركــت إســـــراء الـتـربـيـة الــخــاصــة، ولـــم تـتـرك التعليم، حيث حصلت على شهادة البكالوريوس فـي تخصص الـخـدمـة الاجتماعية مـن جامعة القدس المفتوحة من داخل المعتقل، وغاصت في عالم القانون الدولي؛ لتتمكن من مواجهة السجان بحقوقها كأسيرة حــرب، فكما قالت: «المرء لا يستطيع نيل ما لا ي ُُدرك ُُه». وكــانــت لإســــراء تـجـربـتـان أيــض ًًــا فــي البحث العلمي، خاضتهما من خلال المعايشة؛ فكانت في ذات الوقت باحثة وعينة في البحث، الأولى حول الإهمال الطبي، والثانية عن تأثير التعليم الجامعي على الحركة النسوية الأسيرة. ولــم تجد فـي بحثها الثاني أي ثغرة سلبية للتعليم الـجـامـعـي عـلـى الأســـيـــرات، باستثناء عدم تعاون السجان، واصفة الأجـواء الدراسية فـي المعتقل بـ»الصعبة»؛ لعدم توفر أبسط المتطلبات اللازمة. موجـوعة تُُحب إسراء الكتابة من قبل الاعتقال، لكنها لــم تكتب فــي زمـــن الـحـريّّــة بـكـل هـــذا الشغف والـعـنـفـوان الـــذي كتبت بـه فـي قلب الـزنـزانـة، فـالـكـتـابـة هــنــاك أصـبـحـت أســلــوبُُــهــا المفضل للـ»فضفضة»، تكتب وتتخلص من الكلمات، إلى أن قررت الاحتفاظ بها، لتحرّّر «موجوعة»، على أمل أن ترتاح.. “موجوعة” هو “كــولاج” أصدرته إسراءمن ، يجسد محطات ٢٠٢٣ داخـــل المعتقل عــام ا بين معاناة الإهمال الطبي، من حياتها، منتقلًا والأذى الذي لحقها من الصحافة، مرورًًا بقصائد ا إلــــى الـــرســـامـــات ونـــصـــوص وخــــواطــــر، وصــــــولًا والقصاصات الـورقـيـة، «ليكون بمثابة خريطة لأولئك الذين واجهوا المصير ذاته». معانقة الحريّّـة أكتوبر» كما فاجأ الجميع، كـان مفاجئًًا ٧« للأسـيـرات أيـض ًًــا، لم تكن إســـراء، ابنة القدس، تتوقع حــدوث ذلـك أبـــد ًًا، لا فـي هـذا الـزمـن، ولا بتلك الطريقة. وعند سؤالها عن شعورها لحظة الإفراج عنها فــي صفقة تــبــادل وفـــاء الأحــــرار الـثـانـيـة، قالت إســـراء إن الـخـوف كــان سـيـد المشاعر، منحيًًا الفرح جانبًًا، الخوف من إعادة الاعتقال والعودة إلـــى الأســــر، بـعـد أن احتضنت أهـلـهـا وشـعـرت بقربهم. وتعبّّر إسـراء عن شعورها بأنّّها تحرّّرت في وقت لا يحتمل الفرح، وقت تُُراق به دماء أهل غزة وفلسطين كافّّة، مضيفة أن «الأسـرى بما عانوه يستحقون أن يخرجوا بشكل أفضل من الذي خرجت به أنا، أن يخرجوا بعد انتهاء الحرب لا في خضمها؛ ليتمكنوا من استعادة كرامتهم». وتـبـرّّر إســـراء ذلـك بسماعها كلمات جارحة ومؤذية عند تحريرها، مثل: “انت طلعتي على دم الشعب الفلسطيني”، معتبرة أن من يقول ذلـك من أهـل فلسطين يمكن أن يُُــعـذََر، لكنها تساءلت: «مــاذا عن من هم في الـخـارج؟ هل يتحدثون عن أشخاص ضحوا بأنفسهم وأهلهم وصح ّّتهم ومالهم مقابل أن يؤمنوا لهم الكثير من الأمور؟” تكمل إســراء اليوم علاجها في شـرق النهر، في الأردن، بين شعب احتضنها واعتبرها واحدة منه. إسـراءالـمـرأة،الـتـي عانت الأمــرّّيــن، وح ُُفرت صورتُُها في ذهن كل واحد منا، اليوم أصبحت أقـوى من الأمـس، تحاول استعادة كل شيء، وتحقّّق ما رغبت بتحقيقه، مذكّّرة نفسها على الدوام: «لعل ّّك أخذت من السجن عبرة، ولعل ّّك تعلّّمت الكثير..» الأسيرة المحررة إسراء جعابيص.. عندما يتقاطع الن ّّار والاحتلال الأسيرة المحررة إسراء ࣯ ي رموك- آلاء البيطار � صحافة ال في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها المجتمع والانفتاح الرقمي الذي يجتاح العالم، تظل الثقافة الوطنية واحـدة من أهم الركائز في بناء الهوية الجماعية وتعزيز الانتماء للوطن. وفي حديث أجرته صحافة اليرموك مع الكاتب موسى النعواشي تطرّّق إلى الثقافة الوطنية بمفهومها الشامل، والتي تعد انعكاسا مباشرا لسلوك المجتمع، بالإضافة إلى أنها تعبر عن سلوك المواطنين تجاه وطنهم، وتظهر في التفاني بالعمل والسعي للارتقاء بالمجتمع. وقال النعواشي إن الهيئات الثقافية تلعب دورًًا محوري ًًا في تشكيل الهوية الوطنية، رغم ما تعانيه من نقص في الدعم المادي، مشيرًًا إلى أن وجود هذه الهيئات يعكس حاجة المجتمع لجهات تتولى تفعيل المشهد الثقافي، وتوجيه الطاقات نحو البناء والنهضة. وأشار إلى أن دور المؤسسات الثقافية لا يقل أهمية عن دور المؤسسات التعليمية والأسرة، فكل جهة مجتمعية يـجـب أن تـقـوم بـواجـبـهـا بــــإخلاص ومـسـؤولـيـة، للوصول إلـــى مجتمع قـــوي ومـتـمـاسـك، مــؤكــدا أن كــل مؤسسة لـهـا مكانتها، والـتـكـامـل بـيـن الأدوار هــو مــا يصنع الأمــن المجتمعي الذي ننشده. وطـالـب الهيئات الابـتـعـاد عـن الاسـتـعـراضـات والبحث عن «النجومية الفردية»، والتركيز بدلا من ذلك على دعم الشباب والمبدعين، وتسليط الضوء على من يقد ّّم منجز ًًا حقيقيًًا، ليكون قدوة ومصدر إلهام للآخرين. وتحدث النعواشي عن المبادرات الثقافية التي تطلقها الهيئات الــجــادة، مثل الــنــدوات والأمـسـيـات والمعارض والـمـهـرجـانـات، والــتــي تـهـدف إلـــى تـعـزيـز الـقـيـم الوطنية والانتماء، لافت ًًا إلى أن هذه الجهود لا يجب أن ت ُُقاس بالعائد المادي، بل بالأثر الذي تتركه على الوعي المجتمعي. واعتبر أن الهيئات الجادة هي التي يعمل فيها أشخاص يمتلكون الإرادة والإدارة، لا مـن يسعون إلـى المكاسب الشخصية على حساب المصلحة العامة. وفيما يخص شمولية هذه البرامج، أوضح النعواشي أن بعض الهيئات تسعى جاهدة لتقديم أنشطة متنوعة تـسـتـقـطـب مـخـتـلـف شـــرائـــح الــمــجــتــمــع، إلا أن الإقـــبـــال الجماهيري تـراجـع لأسـبـاب تتعلق بالمادية والانشغال العام، لافتا إلى أن المسرح كان له حضور كبير في السابق، أمـا اليوم فنجد جمهوره مـحـدودًًا، والحال نفسه ينطبق على الشعر والفنون الأدبية، ما يتطلب جهد ًًا كبيرًًا لإعادة الشغف بالثقافة. وبــمــا يـتـعـلـق بـمـواكـبـة الـهـيـئـات الـثـقـافـيـة للتغيرات المجتمعية، شدد على أن هيئاتنا الثقافية ليست كيانات هامشية، بل هي جزء فاعل من نسيج المجتمع، ويجب أن يكون خطابها إيجابيًًا يعزز الثقة والانتماء. وأكد ضرورة الانفتاح على ثقافات العالم، لكن يجب عدم التفريط بثوابتنا الوطنية وهويتنا الثقافية التي نفاخر بها، فما هو مقبول في مجتمعات أخرى قد لا يكون مناسب ًًا لنا. وردا على سؤال حول توظيف الثقافة لأغراض سياسية، أكـد أن السياسة والثقافة مرتبطتان، لكن «مـن يسعى لتوجيه سهامه نحو الـوطـن لا يستحق أن يـكـون ضمن المشهد الثقافي»، موضحًًا أن الدولة تحكمها القوانين، وأي نشاط يخالف القانون لا يحصل على التراخيص اللازمة. وحـــول كيفية قـيـاس تـأثـيـر الأنـشـطـة الـثـقـافـيـة، شـدد النعواشي على أن «الثقافة الفعالة تقاس بنتائجها»، ا بمبادرات النظافة، مؤكد ًًا أنه إن لم ينعكس وضرب مثالًا هذا السلوك في حياة الناس، فإن العمل يعد بلا جدوى. وفـي جانب آخـر مـن الـحـوار، أشــاد بــدور الصحافة في دعم المشهد الثقافي، وأن الإعلام هو الوسيلة الأهم لنقل الـصـورة وصناعة الـوعـي، شـرط أن يكون الصحفي أمينًًا، وشاهد ًًا مباشر ًًا على الحدث، مضيفا «نقل الخبر عن ب ُُعد لا يصنع التأثير، بل يجب أن يكون الصحفي جزء ًًا من اللحظة ا .» ليقدم مضمونًًا صادق ًًا وفع ّّالًا وأشار النعواشي إلى التقصير في التنسيق بين الهيئات الثقافية والمؤسسات الإعلامـيـة، مطالباالهيئات بدعوة الإعلام، والإعلام بــدوره يجب أن يواكب وينصف العمل الجاد، لتسليط الضوء على ما ينفع الناس ويرتقي بالوطن وليس لتمجيد أشخاص. واعتبر أن الصحفي والناشط الثقافي يمتلكان سلاح الكلمة، مشيرا إلى أن الكلمة إذا كانت صادقة وموجهة بإيجابية، فإن أثرها يكون عظيم ًًا في دعم المسار الثقافي الوطني. الكاتب النعواشي: الثقافة الوطنية حجر الأساس في تعزيز الانتماء وبناء مجتمع متماسك النعواشي
RkJQdWJsaXNoZXIy NTAwOTM=