٢٠٢٥ أيار ٢٥ _ ١٤٤٦ ذو القعدة ٢٧ الأحد لا يعيش خالد أبو عطيوي، الصحفي الغزي، صباح ًًا يشبه ما نعرفه عن الصباحات، وبينما يستفيق الناس فـي أرجـــاء العالم على ضـوء الشمس ورائـحـة الخبز، يستفيق خالد أحيانًًا في إحدى زوايا المستشفى التي وثّّق فيها جريمة جديدة، وأحيانًًا فوق أنقاض منزله، في الجزء الذي لم يصبه القصف بعد. لا يبدأ نهاره بروتين يمكن توقعه، بل على صوت انـفـجـار أو صــــراخ ينفجر فــجــأة فــي قـلـب الـــــظلام، أو على نبض مصاب يحتضر أمـام عينيه، يغادر فراشه «إن وجـد»، وهو يحمل يقينًًا داخليًًا بأنه قد لا يعود، يلقي على والديه نظرة طويلة تشبه الوداع، ثم يحمل كاميرته كمن يحمل وصيته، ويخرج. يـقـول خـالـد إن حياته لا تخضع لـروتـيـن، كـل يوم يحمل وجع ًًا جديد ًًا ومفاجأة ثقيلة، لا يعرف أين سيتجه حتى اللحظة التي يسمع فيها انفجار ًًا أو تصله أنباء عن مجزرة جديدة، «في غزة، لا تحتاج إلى خطة يومية، بل إلى شجاعة يومية»، يقول خالد. يـذهـب خـالـد حـيـث الـحـيـاة تُُــســرق، حـيـث الـمـوت يملأ المكان، يتحرك بين المستشفيات والمقابر، بين الأبنية المنهارة ووجـوه الأمهات المفجوعة، لا يحضر جنازة إلا وقد غطى قبلها مصابًًا، ولا يغطي إصابة إلا وس ُُمع من بعيد نداء استغاثة آخر. عـدسـة خـالـد ليست تـرفًًــا صحفيًًا، بـل أداة نجاة لشعب لا يُُسمع صـوتـه إلا حين تُُنقل مأساته على الهواء مباشرة، هو لا يبالغ حين يقول إن الخطر «لا يفارقه»، لأن الكاميرا في غزة أصبحت مستهدفة تمام ًًا كالبندقية. يـروي خالد لحظة فارقة حين لاحقته طائرة بدون طيار من نوع «كواد كابتر»، وفتحت النار عليه بشكل مباشر، يقول «كانت أقرب إلى مطاردة موت، لم يكن بيني وبين النهاية سوى خطوات وأزقة ضيقة اختبأت فيها وأنا أسمع الرصاص يرتطم بالجدران من حولي». هـذه الـطـائـرات لا تـفـرّّق بين مسلح وصحفي، ما إن تـرى سترة الصحافة، حتى تصبح هدفًًا مباشرًًا، كأن الصورة باتت أخطر من الرصاصة، المفارقة في حياة خالد أنه يهرب من القذائف لينقل للعالم صور مـن لـم يستطيعوا الـنـجـاة، ورغــم النجاة بأعجوبة، لا يشعر أنه عاد كما كان، هناك ندبة داخلية تخلّّفها كل تجربة قريبة من الموت، خاصة عندما تكون المطاردة لأنك ببساطة تمسك الحقيقة وتصر على أن تُُسمع، مؤكدا أنه «رغم القلق والموت المتربص، لم أفك ّّر يوم ًًا بالتراجع». يعتبر خـالـد أن مـا يفعله ليس وظيفة ولا مهنة تقليدية، بـل رسـالـة، يحملها عـن قناعة ومسؤولية، حــيــث هــنــاك أنــــاس لا صــــوت لــهــم، ضــحــايــا يُُــدفــنــون بصمت، وحمل وجوههم إلى العالم ضرورة، مضيفا أن «الحقيقة هي آخر ما بقي لنا، ولو تخلينا عنها، تخلينا عن أنفسنا». لكن رغـم كل هـذا القبح، يختزن خالد في ذاكرته لـحـظـات تــــوازي الألـــم فــي شـدتـهـا، لكنها هـــذه الـمـرة مشبعة بالفخر، يستذكر يوم ًًا قرر فيه أن يفتح حسابًًا على إنستقرام لنشر صور التغطيات التي يقوم بها، ولم يكن يتوقع أن يتلقى هذا التفاعل الواسع من الناس من مختلف الجنسيات، ممن يكتبون له عبارات دعم ودعاء لأهالي غزة. لكن ما لن ينساه أبد ًًا، هو موقف بسيط لكنه بالغ التأثير، يستذكره قائلا «في أحد الأيام، كنت أتنقل في أحد الشوارع، فتقدمت مجموعة من الأطفال نحوي، وقالوا إنهم يعرفونني ويتابعون ما أنشر، أرادوا فقط أن يصافحوني، كانت لحظة صامتة، لكنها أقوى من أي خطاب»، شعر خالد حينها أن كل خطوة خطاها، وكل صورة التقطتها لم تذهب هباء ًً. ولأن غـزة مكانًًا لا يُُسمح للصحفي فيه أن يعود للبيت دون أن يواجه شبح الموت، يسرد خالد يومًًا آخـر لم يكن كسابقه، لكنه كـان على وشـك أن يكون الأخير، ويقول «انتهى يومي بعد تغطية سلسلة من الغارات المروعة، وكـان علي أن أعـود للبيت، حملت بعض الطعام لوالدي، وارتديت سترة الصحافة التي نعتقد أحيانًًا أنها قد تحمينا، لكنها في الواقع تحددنا كأهداف، وبينما أسير في أحد شوارع المخي ّّم، أطلقت طائرة مسيّّرة النار بجانبي، ما كان لدي وقت للتفكير، فقط ركـضـت، اختبأت بين الأزقـــة، وكــل مـا أفكر فيه هـو كيف أصـل إلـى المنزل دون أن يكون هـذا اليوم هو الأخير، وبعد دقائق بدت كالساعات، وصلت إلى البيت، فتح لي والدي الباب بابتسامة وقلق، رأى في وجهي ما حدث دون أن أتكلم، جلسنا نتناول الطعام بصمت، لكن الصمت كان مشبع ًًا بالأفكار، بالمخاوف، وبالأسئلة التي لا تُُقال». يرسل خالد رسالة موج ّّهة لكل صحفي شاب، لكل من يفكر في أن يحمل الكاميرا ويدخل هذا العالم الذي لا يُُشبه الصحافة في أي مكان آخر، وينصح «لا تيأس، لا تخف، الصحافة هنا ليست وظيفة، هي نوع من أنواع المقاومة، هي سلاح، وأنت تحمله باسم من لا صوت لهم، كن مؤمنًًا أن الصورة يمكن أن تغيّّر مصير أم ّّة، وأنــك حتى في أقسى اللحظات، لا توثّّق الـمـوت، بل تمنح الحياة معنى». 8 للتواصل مدير التحرير رئيس التحرير المسؤول د . علي الزينات د. خالد هيلات الإخراج الصـحـفي ليث القهوجي 6913 فرعي 02 7211111 : ت أسبوعية ـ شاملة تصدر عن قسم الصحافة ـ كلية الإعلام ـ جامعة اليرموك صحافة اليرموك 0797199954 sahafa@yu.edu.jo الأخيرة قصة مصورة ࣯ ي عياصرة � ن � ي رموك - عو � صحافة ال عدسة لا ترتجف.. خالد أبو عطيوي.. يوميات صحفي غز ّّي على خط النار ࣯ ن � ي � ي ياس � ن � ي رموك - خالد عبدالله ب � صحافة ال تُُعتبر غابات برقش، التي تقع في جنوب شـرق لواء الكورة بمحافظة إربد، محمية طبيعية وجوهرة الطبيعة، وتعد غابات برقش من أبرز المعالم الطبيعية في شمال الأردن، لما تتمتع به من تنوع حيوي وجمالي جعلها وجهة مفضلة لعشاق السياحة البيئية، وتُُشكل هذه الغابات متنفس ًًا طبيعيًًا يقصده الزوار من مختلف أنحاء المملكة للاستمتاع بجمالها الفريد، كما تمتاز بمناظرها الخلابة والــســاحــرة، وتــوفــر مـــأوى لـمـئـات الأنــــواع المختلفة من الحيوانات. وقال خبير الآثـار د. اسماعيل ملحم إن غابات برقش تحتضن أنـــواع ًًـــا مـتـعـددة مــن الأشـــجـــار مـثـل الـسـنـديـان والملول والبطم، إلى جانب نباتات طبية وأعشاب برية، مشيرا إلى أنها موطن ًًا طبيعي ًًا لعدد من الطيور والحيوانات البرية، منها الثعالب والضباع والأرانب، ما يجعلها مخزونًًا بيئيًًا نادرًًا في المملكة. وأضــاف ملحم أن غابات برقش تعتبر «رئـة خضراء» تساهم في الـتـوازن البيئي المحلي، وتحمي التربة من الانجراف، وتُُعد من الغابات الكثيفة في الأردن، الأمر الذي يجعلها ثـروة طبيعية ذات أولوية في سياسات الحماية البيئية، وإخضاعها للرقابة الدائمة. وطالب بضرورة تعزيز الخدمات في غابات برقش من خلال توسعة الطرق النافذة وايصال الإضـاءة الليلية لها وفتح مجال للاستثمار فيها في القطاع السياحي، مبينا أن الزوار يحتاجون لخدمات كالمطاعم و البقالات والحمامات العامة والعاب الأطفال و غيرها. وأوضـــح ملحم أن السكان المحليين أصبحوا شركاء حقيقيين في حماية الغابة، وذلـك من خلال مشاركتهم في حملات التشجير والنظافة، ومراقبة التعديات، وتقديم خدمات بيئية وإرشادية للزوار، م ّّا يعزز مفهوم السياحة المستدامة. وناشد ملحم وزارات الزراعة و البيئة و السياحة والإدارة المحلية وبلدية برقش بضرورة الاهتمام بغابات برقش وزيـــادة الوعي البيئي لـدى الـــزوار من خلال عقد ورشـات عمل، ووضــع لافـتـات تـوعـويـة، وتنظيم زيـــارات مدرسية وجامعية، وعمل حملات تنظيف تطوعية لغايات ترسيخ ثقافة الحفاظ على الطبيعة لدى مختلف فئات المجتمع. وأكد أهمية إشراك الشباب في المبادرات البيئية، من خلال مشاركتهم في الأبحاث والمشاريع، وتنظيم حملات توعوية، وإنتاج محتوى رقمي يبرز جمال برقش وي ُُعزز من مكانتها كموقع بيئي وسياحي استثنائي. بــدوره، قـدم رئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية وخبير في الحياة البرية والتنوع الحيوي الدكتور أحمد الشريدة شرحا مفصلا عن غابات برقش؛ التي تعتبر من أكبر الغابات الممتدة على التراب الأردني، مشددا على أهميتها البيئية لكونها تضم العديد من الأشجار التاريخية المعمرة من أشجار البلوط والملول والسنديان والقيقب والابهر وأشجار الشوح، إضافة إلى العديد من الشجيرات والنباتات الطبية والعطرية. وأشـار الشريدة إلى أن غابات برقش لها ميزة خاصة بموقعها الذي يرتفع ألف متر عن مستوى سطح البحر؛ م ّّا يكسبها جمالا فوق جمالها بسبب تنوع التضاريس ما بين الجبال والوديان والشعاب والأودية والسهول، إضافة لوجود شجرة الزيتون المعمرة التي غرسها أبناء اللواء القدامى في أرض الكورة. وأكد أن للغابات بشكل عام نظام بيئي يتمثل في أنها تساعد على تنقية الأجواء بالإضافة لكونها متنفسا للزوار، مشيرا إلى إقامة العديد من الاستراحات السياحية التي يلجأ إليها الـنـاس فـي أوقـــات الـحـر، واسـتـخـدام مسارات المشي الـمـوجـودة فيها مثل مسار العين ومـسـار درب الحداره ومسار وادي بيرا. وأوضح الشريدة أن أكثر المشكلات التي تواجه غابات برقش هي عمليات القطع الجائر لبعض الأشجار، بالإضافة إلى ترك بعض المتنزهين النار؛ م ّّا يسبب اشتعال الحرائق وتــرك الـفـضلات الصلبة تحت الأشـجـار م ّّــا يشوه المنظر العام للغابة. وقـال الباحث في الحياة البرية والتنوع الحيوي خالد السباعي بني ياسين إن غابات برقش لها أهمية كبيرة كونها ذات موقع يمتاز بالتنوع النباتي في منطقة حوض البحر الابيض المتوسط، وهو غني جدا بالنباتات والأشجار التي تنمو في هذه المنطقة. وأضاف بني ياسين أن غابات برقش تعتبر كنز ومخزون بيئي فـي الأردن لأنـهـا بقعة ملائـمـة جــدا لنمو النباتات وهــي ذات أراض خصبة بتربتها الـحـمـراء وتنتج العديد مـن النباتات والأشـجـار المختلفة التي تعيش فيها من متساقطة أوراق أو دائمة الخضرة كلها أشجار لها أهميتها في التكوين البيئي في الأردن. وتـابـع بني ياسين أنـنـا أصبحنا نلحظ الـجـهـود لـزيـادة الوعي البيئي من قبل الجمعيات البيئية من جهة ومن قبل الزوار من جهة أخرى. وتمنى على بعض الجهات بث البرامج التلفزيونية أو الإذاعية للوعي البيئي النابع من المدارس لتوعية الطالب في سن مبكر عن أهمية الغابات وضرورة المحافظة عليها. وأشار المصور والناشط البيئي في لواء الكورة اسماعيل ربابعة إلى أن اهم اللحظات التصويرية التي يستذكرها ويعشقها كانت عندما سقطت الثلوج على غابات برقش واكتست باللون الأبيض. واعتبر الربابعة أن الـدور الـذي يلعبه المصور لحماية غابات برقش يتمثل في توجيه رسائل باستخدام الصور الــتــي تــوثــق جــمــال الـمـنـطـقـة، إضــافــة إلـــى تـصـويـر بعض التصرفات التي يقوم بها الزائر من خلال إشعال النار وترك فضلات الطعام، إلى جانب إيصال رسالة توعية باستخدام الصور عن طريق المؤسسات العامة والخاصة للمحافظة على غابات برقش. وأكدت المتحدثة باسم جمعية تبنه التعاونية الزراعية عبير بني عيسى أن غابات برقش هي من أجمل مناطق اللواء وهي منطقة سياحية جميلة وخلابـة حيث تعمها الرحلات في نهاية كل أسبوع لجمالها ورطوبة أجوائها وهي من أجمل المناطق السياحية في لواء الكورة. وبينت بني عيسى أن الجمعية قامت بالتعاون مع وبلدية برقش ومديرية ACF منظمة العمل الدولية بعمل حملة نظافة واسعة 2020 زراعـة الكورة في عام في غابات برقش للمحافظة على جمالية المكان والطبيعة. واشــــارت بني عيسى إلــى أن جمعية تبنة التعاونية الـزراعـيـة تمد يـد الـعـون باستمرار للشراكة المجتمعية والتعاون مع الجهات الحكومية لنشر التوعية عن هذه الأماكن الخلابة في لواء الكورة ومحافظة اربد. غابات برقش في لواء الكورة... كنز بيئي ثمين في قلب الشمال الأردني غابات برقش
RkJQdWJsaXNoZXIy NTAwOTM=