٢٠٢٥ أيلول 7 _ ١٤٤٧ ربيع أول 15 الأحد 3 الملف ࣯ إعداد: ࣯ محمد خطايبة ࣯ عبد الرحمن سميح دهون ࣯ عبد الرحمن نواف دهون ࣯ نغم مبارك ࣯ رنا دعنا «ورد تــعــرض لخلعين فــي الـحـوض بسبب التمارين الخاطئة التي تلقاها فـــي مـــركـــز لـــلـــعلاج الـطـبـيـعـي فـــي لـــواء الـــمـــزار الـــشـــمـــالـــي»... بـــهـــذه الـكـلـمـات تختصر والدته لحظة الانهيار التي أنهت ثلاث سنوات من الصبر والانتظار خلال تلقيه الــــعلاج، إذ أن طفلها الـبـالـغ من العمر ثماني سنوات والمصاب بشلل دماغي، لم يجد في المركز الذي يفترض أن يخفف ألمه سوى مزيد من الوجع. تقول والدته، وهي تحاول أن تحافظ على تماس ُُكها، إن الحادثة كانت القشة التي دفعت العائلة إلى نقله لمركز آخر، بحثًًا عن رعاية أكثر إنسانية وأمانًًا، ولم تكن الإصابة نتيجة تطور طبيعي لحالته، الأمـر الـذي فاقم من معاناته الجسدية والنفسية. تعود القصة إلـى نحو ثلاث سنوات، حين بـدأت عائلة ورد رحلة الـعلاج التي كـانـت مليئة بالتقصير والإهــمــال منذ بـدايـتـهـا تصفها الأم، إذ إن الــمــركــز لم يطلب أي فحوصات طبية جديدة قبل بدء الـعلاج، معتمدا على تقارير قديمة دون تحديث أو تقييم لحالة الطفل، قائلة «كأننا دخلنا على نظام جاهز لا يتغير ولا يهتم بم ََن أمامه». حالة ورد لم تكن الوحيدة، بل كانت واحـدة من عدة حـالات مشابهة التقاها فريق التحقيق، حيث تكررت الشكاوى حـــول إهــمــال الــمــراكــز وضـعـف الــكــوادر وغياب المتابعة، إذ يكشف هذا التحقيق عـــن واقـــــع صـــــادم داخـــــل مـــراكـــز تـربـيـة خاصة في محافظة إربـد، إذ تعمل هذه المراكز بشكل يخالف القوانين والأنظمة المعمول بها. إهمال واستغلال... داخل المراكز الخاصة ورغــم أن ورد كـان مـن المفترض أن يـتـلـقـى جـلـسـات علاجـــيـــة تـمـتـد لساعة كـامـلـة، إلا أن الأم لاحـظـت عـــدم تـجـاوز الــجــلــســات عــشــريــن دقــيــقــة فـــي أغـلـب الأحيان، مؤكدة أن الكادر العلاجي كان يتغير باستمرار دون توضيح الأسباب أو إعلام العائلة بـأي تغييرات في خطة العلاج. وتؤكد أن المركز لم يزو ّّدها بأي تقارير دورية توضح وضع ابنها أو تطور حالته. ورغـم تراجع فعالية الـــعلاج، تفاجأت 110 الأسرة برفع رسوم الجلسات من ديـــنـــار دون مــبــرر أو 200 دنــانــيــر إلــــى تفسير، م ّّا أثار غضب الأم التي وصفت الزيادة بـ «المبالغ فيها»، خاصة في ظل سوء المعاملة من قبل إدارة المركز. وفـــي هـــذا الــســيــاق، حــــذّّر مستشار الـتـربـيـة الــخــاصــة كــســاب أبـــو عـنـيـز من خطورة تقديم العلاج لذوي الإعاقة دون وجـود فحوصات حديثة، مشيرا إلـى أن تبديل المعالجين بشكل متكرر ينعكس سلبًًا على الـطـفـل، بخاصة أن الأطـفـال مـن ذوي الإعــاقــة يميلون إلــى الروتين والنمطية، ويصعب عليهم التكيف مع التغييرات المفاجئة. وأوضـــــح أخــصــائــي الـــــعلاج الطبيعي محمد الجوارنة أن العلاج دون تقييمات دقيقة وحديثة يؤدي إلى تطبيق تمارين تنعكس سلب ًًا على صحة الطفل الجسدية والنفسية، مشددًًا على تحديث الخطط يستند إلـــى مــؤشــرات سـريـريـة دقيقة تتغير بتغير الـحـالـة الـوظـيـفـيـة لـهـؤلاء الأطفال. وأكد الخبراء أن تطبيق التمارين من قبل كـــوادر غير مرخصة أو تفتقر إلى الخبرة يشكل تهديد ًًا طبيًًا حقيقيًًا يؤدي إلى مضاعفات عضلية أو عصبية يصعب معالجتها لاحق ًًا. وشـــــدد مــســتــشــار الــتــربــيــة الـخـاصـة جميل أبو طربوش على أن للأسـرة دور مـحـوري فـي متابعة تنفيذ الخطة، من خلال تـعـزيـز الــمــهــارات المكتسبة في البيت لا في تكرار التمارين المهنية التي تتطلب تــأهــيلا متخصص ًًا، مـشـيـرا إلـى أن «القانون لا يجيز حجب المعلومات عـــن الأهــــــل»؛ بـــل يــجــب اطلاعـــهـــم على تفاصيل حالة طفلهم بلغة متوازنة تبرز الإيجابيات وتوضح التحديات. وبينما أجـمـع الـخـبـراء عـلـى خـطـورة هـــذه الـــتـــجـــاوزات ومـــا تسببه مــن أذى نفسي وجسدي للأطـفـال، تكشف حالة أخرى عن واقع لا يقل قسوة، وتُُظهر أن ما جرى مع ورد لم يكن استثناء ًً. تشرح والـدة الطفل عمر – المصاب بــمــتلازمــة داون –رحـلـتـهـا مــع «مـركـز» عندما كان طفلها في الرابعة من عمره، بعد أن لفت انتباهها إعلان للمركز عبر مــواقــع الــتــواصــل الاجـتـمـاعـي ورغـــم أن الإعلان جـذبـهـا، إلا أن الـمـركـز حينها لم يكن مرخ ّّص ًًا وهو ما يُُعد مخالفة صريحة من قانون الصحة 5 لأحكام المادة رقم .2008 لسنة 47 العامة رقم وتشير إلى أن المركز عبارة عن بيت مستأجر يفتقر لأبسط شروط السلامة العامة، وهــذه مخالفة صريحة للمادة /أ مـــن قـــانـــون الـصـحـة الــعــامــة رقـم 62 وتـــعـــديلاتـــه، واصـفـة 2008 لـسـنـة 47 الخدمات المقدمة من المركز «بالبدائية جـــــدًًا»، دون وجــــود أي بــرامــج تأهيلية واضحة أو خطط علاجية مدروسة. وتـــؤكـــد أن الــمــركــز لـــم يـطـلـب سـوى تقرير صحي واحـد عند التسجيل، دون متابعة طبية دورية، ولم ت ُُعرض عليها أي معلومات حول مؤهلات الكوادر العاملة أو طبيعة البرامج المقدمة. واحــــــدة مـــن أبـــــرز الـــمـــشـــكلات الـتـي واجـهـتـهـا، بـحـسـب قـولـهـا، دمـــج طفلها مـع طفل آخـر مصاب بالتوحد، وهـو ما انعكس سلبًًا عليه، وتفاقمت شكوك العائلة عندما زار والد الطفل المركز ذات يــوم، ليجده نائم ًًا فـي وضـع غير سليم وقد اتّّسخت ملابسه. تــقــول إن ابـنـهـا لـــم يـحـقـق أي تـقـدم يُُــذكــر، بسبب صـغـر سـنـه حينها وبــطء اســتــيــعــابــه، إضـــافـــة إلــــى ضــعــف خـبـرة الـكـوادر، اللواتي – بحسب قولها – كن يطبّّقن برامج تدريبية دون أن يمتلكن شهادات تخصصية. وفـــــي الـــســـيـــاق ذاتــــــــه، أكـــــد الــنــاطــق الإعلامـــي باسم المجلس الأعلى لذوي الإعــــاقــــة رأفـــــت الـــزيـــتـــاوي أن الــقــانــون يسمح بدمج فئات إعـاقـة مختلفة في نفس الجلسة، لكن وفق ضوابط تهدف إلى ضمان حصول كل طفل على تعليم وتأهيل يلبي احتياجاته الفردية. فيما يحذر أبـو طربوش من التسرع فـــي دمـــج الأطـــفـــال مـــن فــئــات مختلفة دون دراسة متأنية لقدرات الطفل، قائلا «الــدمــج غـيـر الـــمـــدروس قــد يـــؤدي إلـى سلوكيات سلبية تؤثر على الطفل نفسه وعلى زملائه في الصف». وفــيــمــا يــخــص خـــطـــورة غـــيـــاب خطة مكتوبة أو تعميم الـخـطـط عـلـى جميع الأطــفــال، يـشـدد أبــو عنيز على أن ذلك يُُعد خطأ تربويًًا كبيرًًا، إذ إن لكل طفل فروقه الفردية الخاصة، مؤكدا أن الدمج العشوائي غير المدروس يؤدي إلى فشل في التدريب وعدم تحقيق الأهداف، كما قد ينتج عنه اكتساب الطفل لسلوكيات غير مرغوبة من زملائه. وبـــشـــأن الــمــراكــز غـيـر الـمـرخـصـة أو التي ارتكبت انتهاكات، يبين الزيتاوي أن المجلس يتخذ إجـراءات حازمة تبدأ بالتحقق مـن وضـع المركز والتأكد من حصوله على التراخيص اللازمــــة، وفي حـــال ورود شـــكـــاوى أو مـعـلـومـات عن انتهاكات، يتم إجراء تحقيق شامل. ويشير إلــى أن المجلس ينسق مع وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والـــجـــهـــات الأمـــنـــيـــة لاتـــخـــاذ الإجـــــــراءات القانونية بحق المراكز غير المرخصة، بما فـي ذلـك الإغلاق، وإذا ثبت ارتكاب انتهاكات لحقوق الأطفال، تُُحال القضايا إلى الجهات القضائية. وبـــشـــأن الـــعـــقـــوبـــات الــمــتــرتــبــة على تـقـديـم خــدمــات علاجــيــة دون ترخيص، تشير مــديــرة مـديـريـة تـرخـيـص المهن والمؤسسات الصحية في وزارة الصحة الـــدكـــتـــورة إخلاص الـــجـــامـــوس إلــــى أن الوزارة تبدأ بتوجيه إنذار للمركز ومنحه مهلة لتصويب وضعه، وفـي حـال عدم الالـتـزام تُُغلق المنشأة وتحال القضية إلــــى الـــنـــائـــب الــــعــــام، مـبـيـنـة «بـحـسـب /أ مـن قـانـون الصحة العامة، 9 الـمـادة يُُغلق المكان الـــذي تُُــمـارس فيه مهنة صحية دون تـرخـيـص، وتُُـــحـــال القضية للقضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين». ويقول والد الطفل صالح – المصاب بـشـلـل دمــاغــي ربــاعــي تقلصي – وهـو يستعرض ما مر به، إن ما دفعه للتوجه إلـى مركز للتربية الخاصة هو ما وجده من دعاية مكثفة عبر منصات التواصل. دينار خلال 3000 «دفعت أكثر من سـنـتـيـن مـــن الــــــعلاج، دون أي تحسن يُُذكر»، يقول الوالد بأسى إن المركز لم يـكـن مـجـهـزًًا بـالـحـد الأدنــــى مــن الأدوات اللازمــــــــة، إذ طــلــب مــنــه شـــــراء كـرسـي مـتـحـرك لـطـفـلـه لــعــدم تـــوفـــره، وهـــو ما اعتبره مؤشرًًا على الإهمال منذ البداية. لــــم تـــكـــن الــمــشــكــلــة فــــي الـــمـــعـــدات فحسب، بل في الطواقم العاملة أيض ًًا، إذ إن الكادر العلاجي – كما يصفه – كان يتغير باستمرار دون توضيح، ما انعكس سلبًًا على استقرار الـعلاج، في حين لم تُُطلب أي تقارير طبية حديثة قبل بدء الـجـلـسـات، واكــتــفــى الــمــركــز بـالـتـقـاريـر الـــقـــديـــمـــة، دون تــقــديــم خــطــة علاجــيــة واضحة. ويعد هذا الإهمال مخالفًًا لما نص ّّت مــــن قــــانــــون حــقــوق 28 عــلــيــه الــــمــــادة لسنة 20 الأشـخـاص ذوي الإعـاقـة رقــم ، والـتـي تـلـزم الـجـهـات المقدمة 2017 لخدمات الرعاية والتأهيل بإجراء كشف جـسـدي ونفسي وتقييم تـربـوي دوري لكل شخص مـن ذوي الإعـاقـة مــرة كل ثلاثـــة أشـهـر عـلـى الأقــــل، وإطلاع أولـيـاء الأمـــور وفــرق التفتيش على نتائج هذا التقييم. الأســــــوأ – بــحــســب شـــهـــادتـــه – كــان اكـتـشـافـه لاحــق ًًــا أن الــبــرامــج الـعلاجـيـة كــــانــــت مــــوحــــدة لـــكـــل الــــــحــــــالات، دون تمييز بين حالة وأخــرى، وهـو ما ينافي أساسيات العمل الطبي والعلاجي، أما المتابعة، فكانت ممنوعة، إذ لا يُُسمح للأهل بحضور الجلسات أو الاطلاع على تفاصيل ما يجري لأطفالهم. وأكــد الـوالـد أن طفله تعرض للعنف الجسدي داخل المركز، إذ عاد في إحدى الـــمـــرات وآثـــــار الـــخـــدوش ظـــاهـــرة على جــســده، كـمـا أُُصــيــب مــــرارًًا بــ»الـقـمـل» نتيجة غياب النظافة والرعاية الصحية. أمـــا خــدمــات الـنـقـل، فـكـانـت مـأسـاة أخرى، على حد وصفه، حيث أن الباص المشترك لم يكن مخصص ًًا لذوي الإعاقة، بـــل كــــان يــنــقــل الأطــــفــــال مـــن مختلف الـحـالات دون مـراعـاة لحالة الطفل مما سب ّّب لطفله أذى نفسي كبير يقول الأب. مراكز تربية خاصة... تقسيمات متعددة ورقابة مشتتة في ظل ما كشفه فريق التحقيق من شهادات حول ما يتعرض له الأطفال ذوو الإعاقة داخل مراكز التربية الخاصة من إهمال جسدي ونفسي، لا بد من التوقف عـنـد الإطــــار الـمـؤسـسـي لـهـذه الـمـراكـز، لفهم طبيعة عملها والجهات المسؤولة عن متابعتها وترخيصها. وعـلـى صعيد متصل، تقسم مراكز التربية الخاصة وفقا لتعليمات تنظيم مـــؤســـســـات ومــــراكــــز الــتــربــيــة الـخـاصـة ، إلى ثلاثة 2002 ) لعام 4( وترخيصها رقم أقـسـام: التأهيلية تتبع لـــوزارة التنمية الاجتماعية وهي مراكز التدخل المبكر ســنــوات، والتعليمية 6 للأطــفــال دون تتبع لـوزارة التربية والتعليم، أما مراكز الــــعلاج الـطـبـيـعـي والـوظـيـفـي والـسـمـع والنطق فتتبع لـــوزارة الصحة، ومـؤخـرًًا تم دمج غالبية مراكز التدخل المبكر مع المراكز التعليمية لتصبح تابعة لـوزارة التربية والتعليم، إذ يجب على كل مركز أن يحصل على ترخيص للبناء والعمل من الجهة التي يتبع لها. ولفهم الـواقـع الــذي تعمل فيه هذه الــمــراكــز، تــواصــل الـفـريـق مــع عـــدد من الـــمـــســـؤولـــيـــن، مــنــهــم وزيــــــرة الـتـنـمـيـة الاجـتـمـاعـيـة وفـــاء بـنـي مصطفى التي أوضـــحـــت أن هــنــاك عـــدة شــــروط يجب على طالب الترخيص تحقيقها، من بينها متطلبات تتعلق بالبناء والمساحات والأثـــــاث، بـالإضـافـة إلـــى الـــكـــوادر الفنية والإداريــــــــــة، وهــــي شـــــروط تُُــطــبــق على تــرخــيــص الـــمـــراكـــز الـــنـــهـــاريـــة الــدامــجــة ومـــراكـــز الــتــدخــل الـمـبـكـر الــتــي تـشـرف الوزارة على ترخيصها. ومن جهتها، تقول الجاموس «نحن لا نرخص مراكز مخصصة فقط للأطفال ذوي الإعــاقــة، ولكن نضع شـروط ًًــا فنية ضمن الترخيص تشمل تيسير وصولهم، مثل وجود مدخل خاص يسهل الدخول والـخـروج ومصعد في حـال كـان المركز يقع في طابق علوي، إلـى جانب تجهيز دورات مـيـاه مخصصة لـــذوي الإعــاقــة، وهذه كلها يتم التحقق منها خلال عملية الترخيص». وبـدوره، يبين الناطق الإعلامـي باسم وزارة التربية والتعليم محمود حياصات أن المراكز التي تقدم خدمات تعليمية تخضع لإشراف وزارة التربية والتعليم، إذ تتم متابعة المبنى والتحقق من تجديد الترخيص ومن شروط السلامة العامة مـن قبل إدارة التعليم الـخـاص، علاوة على متابعة البرامج المقدمة وكفايات ومـؤهلات الكوادر البشرية العاملة في المركز ســواء إداريــيــن أو معلمين من قبل إدارة التعليم. ويضيف أن الشروط المطلوبة لاعتماد برامج تربوية داخل هذه المراكز تختلف حسب الفئة المستهدفة واحتياجاتهم، ومـنـهـا تــوفــر بـــرامـــج تعليمية وبــرامــج تعديل سلوك وخدمات مساندة. زيارات توثق مخالفات المراكز بـــعـــد اطلاع فـــريـــق الــتــحــقــيــق عـلـى واقـــع مـراكـز التربية الـخـاصـة مـن خلال المقابلات التي أجراها مع بعض الحالات، انطلق في جولة ميدانية شملت سبعة مـــراكـــز بـمـحـافـظـة اربـــــد، لــرصــد وتـوثـيـق المخالفات داخل هذه المراكز. وبـــــدأت الــجــولــة مـــن مـنـطـقـة الــمــزار الشمالي، حيث توجه الفريق إلـى أحد المراكز في اللواء، ومنذ اللحظة الأولى لوقوف الفريق أمــام المبنى، علق أحد أعضائه بـأن موقع المركز غير مناسب ومخالف للأنظمة، إذ يقع مباشرة على الـــشـــارع الــرئــيــســي وبـــجـــوار الـمـحـكـمـة الـــشـــرعـــيـــة، بـيـنـمـا كــــان درج الــمــدخــل مكس ّّرًًا ومتهالك ًًا. ودخــل الفريق إلـى المركز متذرعين برغبتهم في تسجيل أحد أفراد العائلة، وبــعــد حــديــث قـصـيـر مــع مــديــر الـمـركـز حـول آلية التسجيل، سأله أحـد أعضاء الفريق إن كان المركز يوفر حضانات أو أماكن للمراجعين للمبيت، فأجاب «أنا مرخص كعيادة مش كمركز» إذ لا يمكننا تقديم خدامات كهذه داخل العيادة، إلا أن اللافتة على مدخل المبنى كتب عليها «مركز» وليس عيادة، وتضمنت قائمة من الخدمات التي يقدمها كمركز وليس كعيادة. وأثـــنـــاء حــديــث الــفــريــق مـــع الـمـديـر، ذهــــب أحــــد الأعــــضــــاء لــتــفــق ّّــد الــمــرافــق الداخلية بحجة الذهاب للحمام، إذ وجد غرفة ممتلئة بالألعاب، م ّّا يدل بوضوح على استقبال أطفال بداخلها في تناقض واضـــح مـع مـا صــرح بـه الـمـديـر، وعقب الــحــديــث حــــول آلــيــة الـتـسـجـيـل، طلب الفريق جولة داخل المركز. ث ـــــق الـفـريـق � فــفــي جـــولـــة مــــصــــورة، و التردي في مستوى النظافة والسلامة الــعــامــة داخــــل الــمــركــز، فـمـنـذ الـخـطـوة الأولـــــى بــــدت علامـــــات الإهـــمـــال جـلـيـة: أرضيات متّّسخة وأثـاث قديم ومتهالك ومـرافـق تفتقر لأبـسـط شـــروط النظافة الـصـحـيـة، علاوة عـلـى أن دورة الـمـيـاه بحالة يرثى لها؛ فأرضيتها ملو ّّثة والمقعد مكسور والتهوية تكاد تكون معدومة، كما أن المعدات الطبية موضوعة على الطاولات دون أي تنظيم أو إشراف. وفـي مـمـرات المركز، شاهد الفريق أسلاكًًـــا مكشوفة متدلية من الـجـدران، الـــتـــي امــــــــتلأت بــــتــــوصــــيلات كــهــربــائــيــة عشوائية، ما يثير المخاوف من حدوث تماس كهربائي، إضافة إلى ملاحظة أن بـعـض زجــــاج الــنــوافــذ مـحـط ّّــم ومـصـرف المياه مفتوح على الأرض. وعقب هذه الزيارة الميدانية وما وث ّّق خلالها من مخالفات واضحة، حرص فريق التحقيق على مقابلة الجهات الرسمية المعنية بترخيص ومتابعة عمل هذه الـمـراكـز، للوقوف على الإجــــراءات التي تُُتخذ بحق المخالفين. وبـــالـــعـــودة إلــــى تــفــاصــيــل الــــزيــــارات الـمـيـدانـيـة، فـقـد رصـــد فــريــق التحقيق مجموعة من المخالفات والمشاهدات التي تضع تساؤلات جدية حول فعالية الــــرقــــابــــة الـــمـــيـــدانـــيـــة ومـــــــدى تـطـبـيـق الإجـــــراءات عـلـى أرض الـــواقـــع، إذ توجه الفريق إلى مركز في شارع الرشيد في اربد وهو أيض ًًا على شارع رئيسي. ودخــــل الــفــريــق إلـــى الــمــركــز بنفس الـــذريـــعـــة، حـيـث كــانــت الــمــديــرة غائبة ورحـــبـــت إحــــدى الــمــمــرضــات الـــعـــاملات هناك، كـان الممر الـمـؤدي إلـى الداخل ضيقًًا للغاية والأثاث المنتشر في أرجاء المكان قديم ومتهالك، م ّّا يعطي انطباع ًًا أولــيًًــا بـالإهـمـال وعـــدم الاهـتـمـام بـراحـة المراجعين أو البيئة العلاجية المناسبة. وخلال تفقد الـفـريـق لـغـرف الـمـركـز، دخـــل أحـــد الأعـــضـــاء إلـــى غـرفـة الألـعـاب ليجدها في حالة سيئة؛ بعض الكراسي كانت مكس ّّرة والطاولة متهالكة والرخام أسفل الشباك محطم، بالإضافة إلى أن زجــاج النافذة مكسور، مّّــا يشكل خطرًًا مـبـاشـرًًا على الأطــفــال خـاصـة مـن ذوي الإعاقة، كما لوحظ أن مقبض باب الغرفة مخلوع، وهو الحال ذاته في غرف أخرى داخل المركز، م ّّا يعكس تقصيرًًا واضح ًًا في صيانة المرافق الأساسية. وفي جولة سريعة إلى الحمام، تبين أنه صغير وضيق، والمقعد مكسور وغير مناسب أبـــدًًا لاحتياجات ذوي الإعـاقـة، ا عن أنه غير نظيف، وهو ما يخالف فضل ًا معايير النظافة والــسلامــة المفروضة على المراكز العلاجية المتخصصة. وهـــذه مخالفات صريحة لما نص ّّت من نظام ممارسة مهنة 5 عليه المادة ،2023 لسنة 65 المعالجة الحكمية رقم والــتــي أوجــبــت عـلـى مــن يـتـقـدم بطلب لترخيص مركز علاجي ألا تقل مساحته متر مربع، وأن يكون 100 الداخلية عن وحدة مستقلة تتوافر فيها صالة انتظار وغرف معالجة ومرافق صحية، على أن تخصص إحـداهـا على الأقــل لاستعمال ذوي الإعاقة. ا ؛ لـم تكن النظافة العامة أفضل حـالًا فقد لاحظ الفريق أن الأرضيات متّّسخة وجدران المركز تحمل آثار إهمال واضح، ما يعكس غيابًًا لأي نـوع من الرقابة أو بــرامــج التنظيف الـــدوريـــة، كـمـا رُُصـــدت صـــالـــة ألـــعـــاب حـــديـــديـــة غــيــر مخصصة لـذوي الإعاقة، ما يُُعرض الأطفال لخطر الإصـــــابـــــات الـــجـــســـديـــة، بـــــدل أن تــكــون مساحة آمنة للترفيه والعلاج. وفــــي بــعــض الــــغــــرف، كــــان الـمـنـخـل المعدني المثبّّت على الـنـوافـذ ممزقًًا ومـــهـــتـــرئًًـــا، مــــا يــضــيــف بــــعــــد ًًا آخـــــر مـن الإهــــمــــال، ســـــواء فـــي الــصــيــانــة أو في الجوانب المتعلقة بالأمان. وعقب الجولة داخــل المركز ووسـط شـــــعـــــور مــــتــــزايــــد بـــالـــقـــلـــق مـــــن حــجــم الــتـــجـــاوزات، تـوجـه فـريـق التحقيق إلـى أكـاديـمـيـة للتدريب والـتـأهـيـل فـي حي القصيلة في اربد، لمواصلة عملية الرصد الميداني والتحقق من مدى التزام هذه المراكز بالمعايير الأساسية التي تضمن كرامة وسلامة ذوي الإعاقة. ودخــل الفريق إلـى المركز بالذريعة ذاتها، واستُُقبل من ق ِِبل مديرة المركز، حيث دار نقاش حول إمكانية استقبال حالة تعاني من شلل دماغي ولا تستطيع الحركة، وعلى الفور، ردّّت المديرة بأن المركز غير مجهّّز لاستقبال مثل هذه الحالات، لأن البنية التحتية لا تتيح ذلك، وعـنـد الإشـــــارة إلـــى وجـــود مـمـر خـارجـي مناسب للكراسي المتحركة، أوضحت أن تجهيزات الـداخـل هـي غير المهيأة، مما يجعل استقبال هـذه الـحـالات غير ممكن. ويطرح هذا الموقف تساؤلات جدية حول مدى التزام المركز بالقوانين ذات مـن قانون 17 الصلة، إذ تنص الـمـادة 20 حقوق الأشـخـاص ذوي الإعـاقـة رقـم على أنــه يُُحظر استبعاد 2017 لسنة الــشــخــص مـــن أي مــؤســســة تعليمية على أساس الإعاقة أو بسببها، ما يجعل رفــض استقبال الـحـالـة سلوكا قـد يعد مخالفة قـانـونـيـة، لا سيما فـي حــال لم يُُقدم بديل مؤسسي مناسب أو تفسير قائم على معايير تقييم فردي لا تمييزي. وبناء على ذلك، طلب فريق التحقيق جولة داخلية لتفقد الـمـرافـق، لتكشف مجموعة مـن الـملاحـظـات، أولـهـا غياب كاميرات المراقبة في مخالفة صريحة لـلـتـعـلـيـمـات الــقــانــونــيــة الـــتـــي تـشـتـرط وجودها في مثل هـذه المراكز لضمان الـمـتـابـعـة والــحــمــايــة، إذ تـنـص الــمــادة مـن قـانـون حـقـوق الأشــخــاص ذوي 28 بوضوح 2017 لسنة 20 الإعــاقــة رقــم على ضرورة توفير أدوات وتقنيات تتيح مراقبة أوضـاع الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك تثبيت آلات التصوير المزودة بـأنـظـمـة تـسـجـيـل صــوتــي فـــي مختلف المرافق، باستثناء غرف النوم ودورات المياه، مؤكدة أنه لا يجوز ترخيص هذه الجهات إلا بعد استيفائها هذا الشرط. أما مرافق المركز، فقد تبين أن الحمام لا يلائم ذوي الإعاقة من حيث المساحة والـتـجـهـيـزات، مـا يـطـرح تـسـاؤلات حول مدى جد ّّية الاستعدادات لخدمة الفئات المستهدفة. ورغـم هـذه المخالفات، رصـد الفريق أن المرافق الأخــرى كانت بحالة جيدة، والـمـركـز عـمـوم ًًــا بــدا نظيفًًا ومـرتـبًًــا من الـداخـل، ما يعكس وجـود حد أدنـى من الـعـنـايـة، لكنه لا يـعـوّّض غـيـاب التهيئة الــشــامــلــة اللازمــــــة لاســتــقــبــال الـــحـــالات الخاصة ولا يعفي من مخالفة الشروط الأســاســيــة الــواجــب تـوفـرهـا فــي مـراكـز التأهيل. وبـــدوره، قـال الناطق الإعلامـــي باسم الـمـجـلـس الأعــلــى لـــذوي الإعـــاقـــة رأفــت الزيتاوي إن للمجلس دورًًا محوريًًا في ضــمــان جــــودة الــخــدمــات الـمـقـدمـة في مـراكـز التربية الـخـاصـة، مـن خلال عدة آليات، منها وضع المعايير والمواصفات التي تتماشى مع الممارسات الدولية وأحكام القانون، إذ تشمل هذه المعايير الــــكــــوادر الــمــؤهــلــة والــمــنــاهــج والـبـيـئـة التعليمية والتأهيلية الآمنة والداعمة والمرافق والتجهيزات اللازمة. يوضح الزيتاوي أن آليات ضمان جودة الخدمات تشمل كذلك المشاركة في لجان الترخيص والاعتماد، حيث يكون للمجلس ممثلون في اللجان المسؤولة عـــن تــرخــيــص واعـــتـــمـــاد مـــراكـــز الـتـربـيـة الخاصة، ويتم التأكد من استيفاء المراكز للمعايير والمواصفات المعتمدة قبل منحها الترخيص أو تجديده. فـيـمـا تـــؤكـــد بــنــي مـصـطـفـى أنــــه يتم تـحـويـل الــمــركــز الـمـخـالـف إلـــى الـحـاكـم الإداري حـــســـب مــنــطــقــة الاخـــتـــصـــاص لاتــــخــــاذ الــمــقــتــضــى الـــقـــانـــونـــي، والـــــذي يتضمن إغلاقه بشكل مباشر، حيث أن الوزارة تتابع وتراقب قيام المركز بتقديم خدماته. وفيما يخص تحقق الوزارة من مؤهلات الكوادر العاملة في هذه المراكز، أكدت أنه يجب أن تتوفر المؤهلات العلمية في المجالات ذات العلاقة بخدمات المراكز، مـثـل الــــعلاج الـطـبـيـعـي أو الـوظـيـفـي أو التربية الخاصة، ويتم التأكد مـن توفر هــذه الــمــؤهلات بشكل دائـــم مـن خلال الزيارات والمتابعات الميدانية. إهمال وتجاوزات بمراكز تربية خاصة في إربد وسط غياب الرقابة والمساءلة كوادر طبية غير متخصصة وفاعلية علاجية متدنية مقابل رسوم مرتفعة تردي مستوى النظافة والسلامة العامة داخل بعض المراكز وعدم توفر بنية تحتية ملائمة ممارسات تفتقد لشروط العلاج المطلوبة داخل مراكز في اربد
RkJQdWJsaXNoZXIy NTAwOTM=