2025 تشرين الثاني 16 _ 1447 جمادى الأولى 25 الأحد 5 سنابل ࣯ ي رموك- أمل عودات � صحافة ال ألـــم صــامــت يـخـتـبـئ وســـط ضـجـيـج الـحـيـاة اليومية خلف جدران المنازل وقاعات المدارس، ألــم أبـطـالـه أطـفـال لـم يـــروا مـن الطفولة سوى الـــخـــوف والـــحـــرمـــان؛ فـالـعـنـف تــــرك أثـــــاره على وجوههم الصغيرة قبل أن يتركها في ذاكرتهم المليئة بالصرخات المكتومة والأحلام المبتورة وبينما يقف هؤلاء الأطفال على حافة الانكسار يسعى مختصون وأمـهـات ومؤسسات لإنقاذ ما تبقى من براءتهم في معركة طويلة عنوانها البحث عن الأمان. شهادة من الداخل بصوت متقطع وعيون غارقة بالدموع روت والدة سامي قصتها مع العنف الذي تعرض له طفلها البالغ من العمر عشر سنوات بقولها لا أتمنى أن يتعرض أي طفل لما تعرض له سامي. قالت والدة سامي إن البداية كانت «مريبة» فقد بدأت تلاحظ تغيرا واضحا في سلوك سامي، إذ أصبح صامتا معظم الوقت يتجنب اللعب مــع أصـدقـائـه ويستيقظ لـــيلا وهـــو يـصـرخ من الكوابيس حيث وجــدت العديد مـن الكدمات في جسده وعند سؤاله يحاول الفرار من الإجابة. وبـيـنـت أن الـعـنـف الـــذي تـعـرض لــه سامي لم يكن مجرد ضربة عابرة بل ترك آثـارا نفسية عميقة، مشيرة إلى أنه تعرض لخوف دائم من الأشــخــاص وأصـبـح يـرفـض الــذهــاب للمدرسة أو المشاركة في أي نشاط مع تراجع تحصيله الدراسي وفقدانها لثقته بنفسه. «أشعر بوجود حـرب في داخـل قلبه فأجده يـعـتـزل أحـيـانـا وأخــــرى يـكـون غـاضـبـا وأنـــا أقـف عاجزة أمـام معاناته،» بـررت بقولها إن سامي كــان يتجنب الحديث مـع العائلة أو الأصـدقـاء وفي بعض الأحيان ينفجر بغضب شديد لأبسط الأسباب. وعزت الأم نقطة التحول إلى تدخل المدرسة حيث لاحظ المعلم وجود علامـات غير طبيعية على سلوك الطفل وأبلغ الجهات المختصة وتم تحويل سامي إلى أخصائي نفسي وهناك بدأت رحلة الـعلاج؛ مضيفة وجود برامج دعم نفسي ساعدت سامي على استعادة شعوره بالأمان، خاصة جلسات اللعب والـــعلاج الجماعي وأن رؤية أطفال آخرين مروا بتجارب مشابهة جعلته يشعر بوجود من يعرف معاناته. وقالت إن العنف ليس وسيلة تربية، داعية الأهـالـي لأن يفهموا بـأن التربية الحقيقية هي حب ودعم وأمان الطفل. بدوره، أكد الخبير النفسي مسؤول الإرشاد الطلابي والنفسي في جامعة اليرموك الدكتور حسن صباريني أن تعرض الأطفال للعنف يترك اثار نفسية عميقة قد ترافقهم لسنوات طويلة وإن الـطـفـل الـمـعـنـف يظهر عليه فــي الـبـدايـة مظاهر الـخـوف والقلق مثل صعوبة الـنـوم أو تكرار الكوابيس وقـد يصبح سريع الغضب أو عدواني تجاه الآخرين ؛ مضيفا أن بعض الأطفال يسلكون الاتجاه المعاكس فيلجؤون إلى العزلة المفرطة والهدوء الزائد وأن استمرار هذه الآثار دون علاج قد يقود الطفل لاحقا إلـى مشكلات فـي الثقة بالنفس أو صـعـوبـات فـي الـعلاقـات الاجتماعية وحتى الاكتئاب. وبـيـن أن الـعـنـف الـمـنـزلـي ينعكس بشكل مباشر على أداء الطفل الـمـدرسـي مـن خلال تـدنـي درجــاتــه وسـلـوكـه مــع زملائــــه وأن هناك علامــات يمكن أن تنبه المحيطين إلـى تعرض الــطــفــل لـلـعـنـف مــثــل الـــكـــدمـــات أو الإصـــابـــات المتكررة بالإضافة إلى الخوف المستمر والتوتر أو الاضــطــرابــات فــي الــنــوم والاكـــــل؛ مـــؤكـــدا أن الانعزال الاجتماعي أو نوبات الغضب المفاجئة مؤشر مهم مع تراجع الطفل عن مهارات كان قد اكتسبها سابقا وهذا ما يعكس وجود صدمة نفسية واضحة. وعن آليات الدعم النفسي، أوضح أن الخطوة الأولـــى تكمن فـي جعل الطفل يشعر بـالأمـان، مبينا أن الأخصائيين النفسيين يعتمدون على الإصغاء من دون إصدار أحكام ويسمحون للطفل بالتعبير عن مشاعره بالطرق التي تناسبه سواء عبر اللعب أو الرسم وأن الــعلاج يشمل ايضا تعليم الأطفال مهارات مواجهة القلق والخوف وتشجيعهم على طلب المساعدة عند الحاجة. وأكد أن التعامل مع الأطفال الخائفين من روايــة تجربتهم يحتاج إلـى أجــواء خاصة مؤكدا على أن الاخـصـائـي يـبـدأ عـــادة بأسئلة بسيطة أو باستخدام اللعب والـرسـم لتشجيع الطفل على التعبير بطريقة غير مباشرة مشددا على أن الـهـدف الأسـاسـي هـو بناء الثقة ومـع مـرور الــوقــت يصبح الـطـفـل أكـثـر جـاهـزيـة للحديث عن التفاصيل المؤلمة ضمن إطار آمن يضمن حمايته. وأشـــار صباريني إلـى أن للأســـرة والمجتمع دورا مـحـوريـا فــي مـسـار الـتـعـافـي، مـوضـحـا أن الاســـرة إذا كـانـت مـصـدرا للعنف فإنها بحاجة إلـــى تـعـلـم أســالــيــب تـربـيـة إيـجـابـيـة وفـــي حـال كانوا داعمين فهم يشكلون خط الحماية الأول للطفل عبر توفير بيئة آمنة قائمة على الحب والاستماع. وشدد على أهمية البرامج الوقائية لتعليم الأطفال كيفية حماية أنفسهم، لافتا إلى أن هذه الـبـرامـج تركز على مساعدة الأطـفـال فـي فهم مشاعرهم والتعبير عنها بطرق صحية إضافة إلى تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتزويدهم بمهارات التواصل وحل النزاعات بطرق سلمية وأن هذه المهارات تجعل الطفل أكثر قـوة في مواجهة الصدمات المحتملة وتقلل من فـرص وقوعه ضحية للعنف. مـن جانبها، أكـــدت مـسـؤولـة قسم الـحـالات الإنسانية في مديرية التنمية الاجتماعية في بـنـي كـنـانـة ســهــاد عــبــيــدات أن الـقـسـم يمثل خط الدفاع الأول عن الأطفال والمراهقين في مواجهة مختلف أشكال العنف، وأن دور التنمية لا يقتصر على استقبال الحالات والتعامل معها بـــل يـمـتـد إلــــى الــعــمــل عــلــى عــــدة مـسـتـويـات، موضحة أن التدخل المباشر يشكل المستوى الأول من عملهم حيث يتم التحرك فورًًا لتأمين الحماية لأي طفل يتعرض للعنف ووقف الأذى عنه. وبينت أن الدائرة تعمل في مجال الوقاية من خلال برامج توعية تنفذ في المدارس والجمعيات وفـي بعض الأحـيـان تكون عبر وسائل الإعلام، بـهـدف نشر ثقافة التربية الإيـجـابـيـة وتشجيع الأهــــل عـلـى الـتـعـامـل مــع أبـنـائـهـم دون عنف؛ مضيفة وجود مستوى ثالث من العمل يتمثل فـي الجانب التشريعي، حيث تسعى الـــوزارة باستمرار لتطوير القوانين والأنظمة بالتعاون مع مجلس النواب والجهات التشريعية لضمان عقوبات رادعة بحق المعتدين. ولـفـتـت إلـــى أن الـعـنـف الـــذي تتعامل معه الـتـنـمـيـة الاجـتـمـاعـيـة لا يـقـتـصـر عـلـى الـضـرب فـــحـــســـب، بــــل يــشــمــل أيـــضـــا حــــــالات تــحــرش واعـــتـــداءات جنسية خـطـيـرة، مـشـيـرة إلـــى أن بعض هذه الحالات تحاط بالسرية التامة لحماية الضحايا مع التركيز في المقابل على رفع الوعي المجتمعي. وأوضحت أن الحالات تصل إلى الــوزارة عبر عــدة قـنـوات منها الـشـكـاوى الـمـبـاشـرة أو من خلال الـــمـــدارس الــتــي يـعـد الـمـعـلـم فـيـهـا أول من يلاحـظ التغيرات على الطفل بالإضافة إلى المستشفيات التي يقوم أطباؤها بــالإبلاغ عن الـــحـــالات المشتبه بـهـا، إضــافــة إلـــى الـشـكـاوى الــتــي تـــرد مـــن مــؤســســات الـمـجـتـمـع الـمـدنـي والجمعيات. وتــابــعــت عــبــيــدات أن الـــدعـــم الــــذي تقدمه التنمية للأطفال متكامل من النواحي النفسية والاجتماعية والقانونية، مبينة أن الأخصائيين الــنــفــســيــيــن يـــرافـــقـــون الـــطـــفـــل عـــبـــر جـلـسـات مـتـعـددة تـسـاعـده عـلـى تــجــاوز الـصـدمـة، فيما يـقـوم الـبـاحـثـون الاجـتـمـاعـيـون بتقييم الأســـرة ودراسة أسباب العنف إلى أي سبب تعود وفي حال ثبوت الاعتداء الجسيم، مؤكدة أن الدائرة لا تعمل بمعزل عن المؤسسات الأمنية بل تتابع مـع الـجـهـات الأمـنـيـة المختصة ومــركـز حماية الأســـرة لإحـالـة المعتدين إلـى القضاء وضمان حقوق الضحايا. وشــــــددت عــلــى أن الــمــتــابــعــة هـــي الــركــيــزة الأســاســيــة فـــي عـمـل الــمــديــريــة، مـوضـحـة أن الأخصائيين يـسـيـرون مـع الطفل ضمن خطة علاجــيــة طـويـلـة الأمــــد تـشـمـل جـلـسـات فـرديـة وأخرى جماعية، كما يراقب الباحث الاجتماعي الأسرة ويتأكد من تغير سلوكها. واضـافـت أن المديرية تمتلك مـراكـز إيــواء خاصة بالأطفال المعرضين للخطر وهذه المراكز ليست مجرد مأوى بل بيئة بديلة توفر للطفل الــرعــايــة الـنـفـسـيـة والاجـتـمـاعـيـة والتعليمية؛ مـــؤكـــدة وجـــــود آلـــيـــات لـلـتـنـسـيـق مـــع الـجـهـات الرسمية ووجود بروتوكولات واضحة مع الجهات الأمنية والـقـضـاء، بحيث يتم التحقيق فـي أي حالة عنف تصل المديرية. وتابعت أن المديرية تقف إلى جانب الطفل خلال كـــل مـــراحـــل الـتـحـقـيـق لـتـخـفـيـف خـوفـه وضـمـان دعمه مـع وجــود لجان مشتركة تضم قضاة وأخصائيين اجتماعيين ونفسيين تعقد لمتابعة الحالات المعقدة واتخاذ القرار الأمثل بشأن الطفل إما بإعادته لأسرته مع متابعة، أو إبقائه في مراكز الحماية. وأكـمـلـت عـبـيـدات حديثها بـذكـر التحديات المتمثلة في الثقافة المجتمعية التي ما زالت تعتبر الضرب وسيلة طبيعية للتربية ،إضافة إلـــى مـحـدوديـة الـــمـــوارد الـبـشـريـة والــمــاديــة ما ينعكس على سرعة التدخل ونوعية الخدمات؛ مـشـددة على أن ضعف التبليغ يشكل عائقا رئيسيا إذ يخشى كثيرون الإبلاغ بـدعـوى أنها شــؤون عائلية بالإضافة إلـى أن الـدائـرة تحتاج إلى دعم أكبر للكوادر في قسم الحالات الإنسانية وتوسيع برامج التدريب والتوعية. أطفال في مرمى العنف وحكايات جراح صامتة في رحلة البحث عن الأمان صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي ࣯ ج ار � ج ابر وصبا الن � ي رموك - بيسان � صحافة ال وسط تصفيق الحاضرين، وصوت الحوافر التي تضرب الأرض بإيقاع يشبه دقات القلب كان صالح النجار يعبر خط النهاية، لم يكن عبوره مجرد فوز في سباق قدرة وتحمل بل كان لحظة انتصار حقيقية انتصار جس ّّد سنوات من الإصرار، والتعب، والمحاولات التي بدأت بسقوط، وتكررت بسقوط، وانتهت بانتصار. لم يكتف النجار بتحقيق المركز الرابع في أول مشاركة له، إنما فاز أيض ًًا بجائزة «أفضل صحة جواد» وهي جائزة تُُمنح للخيول التي تحافظ على أفضل حالة صحية طوال الحدث هذا الإنجاز نادر ويُُشير إلى التزام كامل بالتدريب والرعاية الصحية، وهي واحدة من أعلى الجوائز التي تمنح في هذه الرياضات. كـان يقف على الحلبة فـوق صهوة جــواده بلا أطـراف سفلية لكن بكل الثقة والعزيمة التي صنعت منه فارس ًًا لا يُُقاس بجسده بل بروحه. صالح النجار لم يكن يعرف أن حياته ستتغي ّّر يوم دعاه أصدقاؤه لزيارة إسطبل خيول، لم يكن متحمس ًًا بل كان متردد ًًا و تساءل بجدية: «كيف أركب حصانًًا وأنا ما عندي رجلين؟» ومع ذلك، قرر الذهاب. هناك، بين رائحة التراب وصوت صهيل الخيول حصل شــيء لـم يتوقعه، شعر بالانتماء وأحـــب الخيل وأحـب المكان، وفي لحظة غير محسوبة قرر أن يجرّّب. في أول محاولة للركوب، سقط ثم عاد وسقط مجدد ًًا لم تكن مجرد سقطة إذ انها كانت صدمات جسدية مؤلمة، وإحباط نفسي عميق، لكنه لم يتوقف بدأ التحدي يتحول إلى هدف: أن يركب الخيل ويتقنه، حتى وإن كلفه الأمر السقوط مئات المرات. ولأن النجار لا يملك أطراف ًًا سفلية، بدأ بالبحث عن حل يُُمكّّنه من الـتـوازن على ظهر الخيل، صم ّّم بنفسه أداة سماها «الـراكـبـات» وهـي قطعة معدنية مصنوعة من الألمنيوم المقو ّّى تُُثب ّّت على السرج وتحافظ على موضع القدمين دون انزلاق، خلال ثلاثة أشهر من العمل اليدوي نف ّّذ أكثر من نسخة وكان يعد ّّلها أكثر من مرة باستخدام أدوات بسيطة في ورشة حدادة محلية. لم يكن مهندس ًًا ولم يحصل على دعم فني بل اعتمد على التجريب الدقيق وإحساسه بجسده، واجه صعوبات في ضبط توازن الوزن إذ إن أي ميلان بسيط كان ينعكس سلبًًا على ثباته أو على حركة الحصان، ورغـم ذلـك نجح أخــيــرًًا فـي إنـتـاج نسخة تـراعـي الــتــوازن والــسلامــة دون الإخلال بلوائح الفروسية أو إرهاق الجواد. بـعـد أن تـمـك ّّــن مــن الـثـبـات، بـــدأ صـالـح تـدريـبـاتـه في الإسطبلات وكان يركز على المهارات الأساسية للفروسية، وهناك خصص وقته لتعلّّم الجلوس الصحيح، والتوازن، وكيفية استخدام اللجام والتواصل الأولي مع الخيل، وفي هذه المرحلة لم يكن الهدف الوصول إلى خط نهاية، بل تجاوز الخوف، وبناء الثقة بجسده وبالحصان. تدريبه كــان يتم فـي فـتـرات هـادئـة بعيدًًا عـن ضغط الأنـــظـــار، وبـتـجـهـيـزات بسيطة لا تــراعــي احـتـيـاجـات ذوي الإعاقة، ما دفعه لتكييف بيئة التدريب بنفسه. ومــع مـــرور الأسـابـيـع، بــدأ النجار يشعر بـارتـيـاح أكبر وشـيـئًًــا فـشـيـئًًــا نـشـأت علاقـــة خـاصـة بينه وبـيـن الخيل علاقة مبنية على الصبر، والصدق، والإحساس المتبادل بـالأمـان، وبعد أن تجاوز حاجز الرهبة وأثبت لنفسه أنه قادر على التحكم والتفاعل، انتقل إلى مرحلة أكثر تقدم ًًا: إسطبلات متخصصة بسباقات «القدرة والتحمل» حيث بدأ التدريب الجاد نحو المنافسة الفعلية. في أول أيامه داخل إسطبلات القدرة والتحمل، تعرّّف النجارعلى المدرب الذي يترك أثرًًا عميق ًًا في مسيرته لم يكن اللقاء عاديًًا؛ فالمدرب لم ينظر إلى إعاقته كعقبة، بل رأى فيها تحديًًا يمكن تجاوزه وإمكانات بحاجة إلى صقل، ا واستمع إليه وقيّّم وضعه دون أحكام جلس معه طويلًا مسبقة. ومنذ اللحظة الأولى، شعر النجاربأن هذا الشخص لا يدرّّب فقط بل يؤمن، وبأن ما بينهما لن يكون مجرد علاقة مدرّّب ومتدرّّب إنما شراكة مبنية على الاحترام والثقة. المدرب لم يكن يكتفي بالتمارين التقنية، بل كان يرك ّّز على الجانب الذهني والوجداني كان يسأله دائم ًًا: «كيف شعرت اليوم؟» و»شو حسيت من الحصان؟» ويطلب منه أن يصف العلاقة بينهما بالكلمات لا بالأوامر، وعلمه أن الحصان يشعر بتوتر الفارس وخوفه، وأن السيطرة تبدأ من الداخل من الثقة بالنفس، مع الوقت تغيّّرت نظرة النجار لنفسه؛ لم يعد يرى إعاقته كقيد رأها كدافع لفهم الجسد بشكل أعمق والتحكم به بدقة. هـذه المرحلة كانت فاصلة، لأنها حـوّّلـت النجار من هــــاو مـتـحـمـس إلــــى فــــارس حـقـيـقـي يــعــرف كــيــف يـديـر طاقته ويحترم قدرات الحصان، ويستعد نفسيًًا وجسديًًا لسباقات تتطل ّّب صبر ًًا، ولياقة، وشراكة كاملة مع الجواد. وبعد أربعة أشهر من التدريب المكثّّف تقدّّم صالح النجار للمشاركة في أول سباق رسمي للقدرة والتحمل فيالأردن،كانتالاستعداداتتسيربحماسلكنالعقبات لم تكن رياضية فقط؛ إذ اصطدم بإجراءات إدارية معق ّّدة الجهات المنظمة لم تكن معتادة على تسجيل فارس من ذوي الإعاقة الجسدية، وتأخر صدور الموافقة الرسمية حتى مساء اليوم الذي سبق السباق وهذا التأخير وضعه في حالة من التوتر وحرمه من التحضير الذهني الكامل المعتاد قبل خوض المنافسات. ورغم كل شيء شارك في السباق، وكانت المسافة كيلومترًًا مـوزعـة على عدة 40 التي خاضها لا تقل عـن مراحل تتطلب التوقف للفحص البيطري والالتزام بوقت محدد للإنـهـاء، التحديات كانت جسدية ونفسية أيض ًًا؛ فالنجار كان يُُجرب للمرة الأولى كيف يكون الفارس في قلب الـمـسـار إلــى جـانـب فـرسـان مخضرمين يمتلكون سنوات من الخبرة. لم يكن الهدف عنده مجرد الوصول هدفه كان الوصول بشرف وبـــأداء يُُحسب لــه، أنهى السباق وحقق المركز الرابع من بين المشاركين متفوق ًًا على فرسان لا يواجهون أي إعاقة. لكن الأهم من ذلك، فوزه بجائزة «أفضل صحة جواد» وهـي من أعلى الجوائز التي تُُمنح في سباقات القدرة والتحمل، تُُمنح هــذه الـجـائـزة فقط للجواد الــذي يُُظهر أفـضـل مــؤشــرات حـيـويـة بـعـد نـهـايـة الـسـبـاق مــن حيث معدل النبض، ودرجة الحرارة، ومستوى التعب، وسلامة العضلات والمفاصل، ما يعني أن النجار كان فارس ًًا متميز ًًا ا لحصانه ملتزمًًا بخطط التدريب وأيــض ًًــا راعــيًًــا مــســؤولًا والتغذية والراحة بشكل دقيق. هذا الفوز أتى نتيجة التزام يومي وتواصل عميق بينه وبين جواده، وفهم حقيقي لروح هذه الرياضة التي تعتمد على الثقة والتوازن والانضباط قبل أي شيء آخر. لم تكن تجربة ركـوب الخيل مجرد تحول رياضي في حياة صالح النجار حيث كانت كانت نقطة تحوّّل شاملة في نظرته إلى ذاته، من خلال تعامله مع الخيل بدأ النجار يتصالح مـع جسده ويقبل إعاقته ويعتز بها كجزء من هويته، فقد تخلّّى عـن الخجل الــذي كـان يشعر بـه عند الخروج بدون أطراف صناعية لي ُُدرك أن ما يعر ّّف شخصيته ليس جسده بل إصراره وصبره وتصميمه. فـي عـالـم الفروسية وجــد النجارمساحة حــرة خالية من الأحكام أو الشفقة؛ حيث لا يسأل الحصان عن عيوب الفارس، ولا يحد ّّق فيه، بل يتجاوب فقط مع صدق نواياه وإخلاصه، هذه العلاقة الخاصة كانت بمثابة علاج نفسي حقيقي منحته توازنًًا داخليًًا وثقة متجددة بالحياة. اليوم، يضع النجار نصب عينيه هدفًًا طموح ًًا يتمثل فـي الـمـشـاركـة فـي سـبـاقـات الــقــدرة والتحمل لمسافة كيلومترًًا، وهي من أكثر المسافات تحديًًا في هذه 160 الرياضة على مستوى الأردن والمنطقة العربية تتطلب هــذه السباقات لياقة بدنية عالية، قــدرة على التحمل النفسي، وإتقان كامل لتقنيات التحكم بالخيل على مدار سـاعـات فـي ظــروف مناخية 6 سـاعـات طويلة تتجاوز الــ متنوعة وتضاريس قاسية. ولتحقيق هذا الهدف يواصل النجار تدريباته اليومية تحت إشـــراف مـدربـه مـع التركيز على تحسين اللياقة الـبـدنـيـة، وتنمية التنسيق بينه وبـيـن جـــواده بالإضافة إلى متابعة الفحوص البيطرية الدقيقة للحصان لضمان سلامته. يتجاوز حلم النجار الأكـبـر النجاح الـفـردي؛ إذ يطمح إلى تأسيس إسطبل خاص مخصص لذوي الهمم يوفّّر بيئة تدريبية آمنة ومجهزة خصيص ًًا لتلبية احتياجاتهم الـجـسـديـة والـنـفـسـيـة، يـهـدف هـــذا الإسـطـبـل إلـــى توفير الـدعـم النفسي مـن خلال جلسات تفاعلية إضـافـة إلى بـرامـج تدريبية تركز على الانــدمــاج المجتمعي وتعزيز الثقة بالنفس. مثل هذه المبادرات ليست شائعة في الأردن حيث تواجه ذوي الهمم تحديات عـدة من حيث الوصول إلى مرافق متخصصة والمشاركة في الرياضات التنافسية، ويأمل النجار أن يفتح هذا المشروع الباب أمام المزيد من الفرص للرياضيين من ذوي الإعاقة وأن يسهم في تغيير النظرة المجتمعية تجاههم من خلال إظهار قدراتهم الحقيقية. وتــأتــي هـــذه الـخـطـوة مـواكـبـة لــرؤيــة الأردن فــي دعـم الرياضات التأهيلية وذوي الإعاقة، حيث بـدأت الجهات الرسمية والاتحادات الرياضية في تبني برامج لتشجيع المشاركة الرياضية وتعزيز القدرات، ما يجعل حلم صالح ا للتحقيق من خلال العمل ليس بعيد ًًا عن الواقع بل قابل ًا والتخطيط المنظم. ختم النجار قصته برسالة قوية لكل من يواجه تحديًًا أو يشعر أن الطريق مسدود، قائلاًً: «نحن لا نحتاج شفقة بل إيـمـان، لا نحتاج مساعدة بل فرصة، انظروا إلى ذوي الهمم خذوهم قدوة واسعوا لأحلامـكـم رغـم كل شــيء» هـذه الكلمات تلخص تجربة رحـلـتـه، وتـحـفـز عـلـى الـنـظـر بـعـيـون الإيـــمـــان والـــفـــرص لا الشفقة والعقبات. الفارس صالح النجار الفارس صالح النجار.. يحصد المركز الرابع وجائزة «أفضل صحة جواد» في أول مشاركة له
RkJQdWJsaXNoZXIy NTAwOTM=