2025 تشرين الثاني 23 _ 1447 جماد ثاني 2 الأحد 3 الملف بعد توقف الحرب.. كارثة إنسانية تحاصر قطاع غزة.. الجوع وبرد الشتاء وشح الغذاء والدواء تضي ّّق الخناق على الغزيين ࣯ ج ود بطاينة � إشراف: س ࣯ يماء نوافلة � إعداد: ت ࣯ آرام عبابنة ࣯ ي عيسى � ن � أسيل ب ࣯ شهد ذيابات ࣯ ج ق � شهد سن ࣯ ي ري � أسيد الكف ࣯ يم بنات � إبراه في ظل واحدة من أشد الأزمات الإنــســانــيــة الــتــي يـشـهـدهـا الـعـالـم في العصر الحديث، يواصل أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غــزة مـواجـهـة واقـــع يـتـجـاوز حـدود الاحـتـمـال الـبـشـري، وســط مجاعة خـــانـــقـــة ونـــــــــزوح مـــتـــكـــرر وانـــهـــيـــار شــبــه كــامــل فـــي الـبـنـيـة الصحية والــــخــــدمــــات الأســــاســــيــــة. وبـيـنـمـا تــتــضــاعــف الاحـــتـــيـــاجـــات الـيـومـيـة للسكان، تتقلص فرص النجاة مع اســتــمــرار إغلاق الـمـعـابـر وعرقلة وصــــــول الــــمــــســــاعــــدات، م ّّـــــا يـضـع الـمـدنـيـيـن فـــي مــواجــهــة مـبـاشـرة مع الجوع والبرد والمرض دون أي حماية. وبـــحـــســـب تـــقـــريـــر صــــــــادر عـن منظمة الصحة العالمية الأسبوع 900 الـــمـــاضـــي هـــنـــاك أكـــثـــر مــــن مــن الـمـرضـى تــوفــوا أثــنــاء انـتـظـار مريض 16,500 الإجلاء الطبي، و ينتظرون الموافقة على السفر من طفل بحاجة ماسة 4,000 بينهم مريض 8.000 إلى إجلاء عاجل، و نــقــلــوا لـــلـــعلاج خـــــارج غــــزة بينهم طفل. 5,500 ووفقا نشرة صـادرة عن الدفاع من 15 المدني في قطاع غزة في هــــذا الــشــهــر فــــإن مــلــيــون ونـصـف مليون نزحوا مجددا بعد اتفاقية ألف خيمة 125 الهدنة، وأكثر من 135 غير صالحة للإقامة من أصل ألــف خيمة، والـقـطـاع بحاجة أكثر ألف خيمة جديدة. 450 من معاناة المواطنين في ظل النزوح وفقدان الأمان تــقــول غــــادة حـــمـــدان، مـواطـنـة في غزة، إن كل شيء في حياتهم تبد ّّل دفعة واحدة، ورغم أن منزل العائلة تضرر جزئي ًًا، إلا أن محتوياته احترقت أو س ُُرقت بالكامل، مخلفا العائلة بلا أي من أساسيات الحياة. وتصف أصعب لحظة بأنها لحظة الـــنـــزوح الــقــســري، حـيـن اضـطـرت الأســــرة إلـــى مـــغـــادرة بيتها بلا أي أغـــراض، لتواجه رحلة شاقة قبل أن تتمكن أخيرًًا من الحصول على خيمة تؤويها. وتـــوضـــح غــــادة أن الـــدعـــم شبه غـــائـــب، إذ لـــم تــتــلــق الــعــائــلــة أي مساعدة رسمية، باستثناء بعض الأصدقاء الذين قدموا دعم ًًا ماديًًا بسيط ًًا فـي عـدة مـــرات، لافتة إلى أن أبرز تحديات الشتاء تتمثل في الحصول على الـغـاز، فاضطرارهم ا يشكل خطرًًا لاستخدام النار بديلًا كبيرًًا، خصوص ًًا مع الحاجة للتهوية التي لا تتوفر داخـل الخيمة خلال الأمطار والبرد. وتـشـيـر غـــادة بــمــرارة إلـــى أنها لـم تعد تكترث لما يُُــقـال حولهم، «لأن العالم كلهم كـذّّابـيـن» على حد وصفها، في إشـارة إلى فقدان الثقة نتيجة التجربة القاسية التي مر ّّوا بها. وتـــســـتـــعـــيـــد غـــــــــادة فـــــتـــــرة مــا قــبــل الـــحـــرب بـلـهـفـة، قــائــلــة إنـهـم كـانـوا يعيشون حـيـاة مرفهة بكل تفاصيلها، قبل أن يخسروا الأمان وأحبتهم ويـبـدأوا من جديد تحت ظروف لا تشبه الحياة التي عرفوها يوم ًًا. وتروي أم لين (اسم مستعار)، وهـي مواطنة مـن غــزة، أن البيت بالنسبة لها لـم يكن مـجـرد مكان للسكن، بـل كـان يمثل الاستقرار والأمان والدفء والراحة. وتقول إن كل زاوية في المنزل حــمــلــت ذكــــــرى خـــاصـــة جـمـعـتـهـا بزوجها وأطفالها، م ّّا جعل الارتباط بالمكان يتجاوز كونه مساحة مادية إلـــى كـونـه جــــزء ًًا مــن حـيـاة كاملة، مـشـيـرة إلـــى أن أقــســى مــا يمكن أن يـعـيـشـه الإنـــســـان هـــو الـــنـــزوح القسري، فبرغم تمس ّّكها بالبقاء فـي منزلها حتى اللحظة الأخـيـرة، إلا أن شـــدة الـقـصـف الــــذي وصـل إلـى مرحلة «نقطة الصفر» حـوّّل الرحيل إلى أمر لا مفر منه. وتـــضـــيـــف أم لـــيـــن أن تـكـلـفـة النزوح كانت مرتفعة بشكل يفوق قـــدرة كثير مــن الـــعـــائلات، فهناك من استطاع دفع التكاليف، بينما عـجـز آخــــرون تـمـام ًًــا، وهـــو مــا ظهر بـــوضـــوح فـــي شـــهـــادات الـنـازحـيـن على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن الدعم المتوفر لا يلبي الــــحــــد الأدنــــــــى مــــن الاحـــتـــيـــاجـــات الأسـاسـيـة، إذ يعيش البعض في خيم قماشية خلال فصل الشتاء، وســــط غــيــاب شــبــه كــامــل للبنية التحتية والخدمات. وتـصـف ملك (اســـم مستعار)، وهـي نازحة من قطاع غــزة، واقعًًا إنسانيًًا يزداد قسوة يوم ًًا بعد يوم، % من السكان 99 إذ تؤكد أن نحو بـاتـوا بلا مسكن أو ملبس يقيهم برد الشتاء. وتوضح أن الحصول على غرفة بدائية البناء يحتاج إلى ما لا يقل دولارا، بينما تصل تكلفة 150 عن غرفة مفروشة بشكل بسيط إلى دولار، وهي مبالغ 1500 أكثر من «لا يستطيع أحـد في غـزة تحم ّّلها في ظل انعدام الدخل». وتشير إلى أن العائلات فقدت مصادر رزقها، ما يدفع الأبناء إلى تـرك الـدراسـة والعمل في ظروف شديدة الصعوبة، سـواء في البرد القارس أو حر الصيف، فقط لتوفير الحد الأدنى من احتياجات أسرهم. وتتحدث ملك عن ألـم النزوح الـــقـــســـري بـــأنـــه الــــخــــروج مـــن آخــر مـــســـاحـــة لـــــلـــــدفء والـــــذكـــــريـــــات، والانتقال إلى حياة مليئة بالشتات والجوع داخل خيمة لا تقي برد ًًا ولا تمنح أمانًًا، مؤكدة أن المساعدات شبه مـعـدومـة «مــا وصلنا طـوال الفترة الماضية لا يتجاوز كرتونتين أو ثلاث، وهي بالكاد تذكر». أما الملبس، فتقول إنه تحول إلـى عـبء ثقيل، لأن ما يتوفر في الأسواق خفيف جد ًًا مقارنة بما كان قبل الحرب، ومن يريد شراء قطعة شتوية لأطفاله “يحتاج لمبلغ كبير لا يستطيع أحد توفيره، مضيفة “لا غطاء، لا شبابيك، والصقيع يدخل البيوت المؤقتة دون رحمة.» وتـــــــــرى مــــلــــك أن غـــــــزة بـــاتـــت «منفصلة عن العالم»، وأن أهلها يخوضون معركة البقاء بصمت، ٍٍبعيد ًًا عن أي دعم حقيقي. وضع إنساني قاس وتــــنــــاشــــد طـــبـــيـــبـــة عـــامـــلـــة فـي الـقـطـاع، طلبت عــدم الكشف عن هـويـتـهـا، الــجــهــات الـمـعـنـيـة بفتح المعابر للجرحى الذين لم يتمكنوا مـــن تــلــقــي الــــــعلاج بــشــكــل كـــاف، ولأصـــحـــاب الأورام، لمعالجتهم، لأنهم من أكثر الفئات المظلومة، بـــســـبـــب قـــلـــة الـــطـــعـــام والأدويــــــــة اللازمــــــة، ومــحــاولــة إنـــهـــاء الـحـرب للعيش بشكل سلمي. وأكــــــــدت أن الـــمـــشـــهـــد كـــارثـــي وصـعـب جــدا لا يمكن أن يحتمله «بـشـر على وجــه الأرض”، مبينة أنـــــهـــــم يـــعـــمـــلـــون قـــــــدر الإمـــــكـــــان لمساعدة الجميع حتى وإن كان فــــوق طــاقــتــهــم، بــالــرغــم مـــن عــدم القدرة على تقديم المساعدة في بعض الأحـيـان بسبب عـدم تناول الـطـعـام لفترة طـويـلـة، م ّّــا يضعف خدمتهم. وذكرت أن شح الأدوية والموارد، وفــصــل الــتــيــار الـكـهـربـائـي بسبب عدم وجود وقود، وكثرة الإصابات، والاكتظاظ على العمليات، تعتبر من أكثر الصعوبات التي تواجههم. ويـــصـــف أحــــد الـمـسـعـفـيـن من قطاع غـزة – فض ّّل عـدم التصريح عـــن اســـمـــه، الـمـشـهـد الــحــالــي بـالــ «صعب جـــدا»، ولا يمكن العيش أو التأقلم مـعـه، مـؤكـدا أن نقص ســــــيــــــارات الإســــــعــــــاف وصـــعـــوبـــة صيانتها، وشح الوقود تعد من أبرز الصعوبات التي تواجههم، بالإضافة إلى أعداد المصابين الكثيرة، وندرة وجود المستلزمات الطبية. المساعدات الإنسانية والتحديات في مجال المساعدات الإنساني ّّة في غزة، قال المواطن أيمن قديح إن المشاريع الاغاثية تم تنفيذها فـي ظـل أزمـــة المجاعة مـن سقيا الــمــيــاه وتـــوزيـــع الـــــسلال الـخـضـار ومبالغ المالية والطحين، مؤكد ًًا أن المساعدات المتاحة حاليًًا قليلة نــســبــيًًــا، إذ تـعـتـمـد بـشـكـل كـامـل على تبرعات الفردية من الأشقاء الـعـرب لـعـدم تـوفـر فــرص للعمل مع المؤسسات. وأشــــار إلـــى أن إغلاق المعابر وارتفاع أسعار السلع والعمولات وشح السيولة أدى الى عوائق كبيرة أمـــام إدخـــال الــمــواد الـغـذائـيـة الى القطاع، مشيرا إلى أن المساعدات الإغــاثــيــة تــركــز بـشـكـل خـــاص على عـــــائلات الأيـــتـــام حــيــث أنـــهـــا تـــوزع عـلـى أكـثـر مــن مخيم فــي منطقة مواصي خان يونس بالتعاون مع فـــرق مـيـدانـيـة لـتـحـديـد الـمـنـاطـق الــمــتــضــررة، إذ إن تـقـديـم الــمــواد الغذائية يخفف من معاناتهم. مـــن جــانــبــه، قـــال مــديــر الهيئة الخيرية الهاشمية الدكتور حسين الــعــبــادي أن الإطـــــار الـــعـــام لعمل الهيئة يستند إلى توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني، وإلـى الـدور الـثـابـت للأردن فــي دعـــم الشعب الفلسطيني. وأضاف إن جميع التحركات تتم ضــمــن نــهــج إنــســانــي بــحــت يـقـوم عـــلـــى الــتــنــســيــق الـــمـــتـــواصـــل مـع وزارة الخارجية والقوات المسلحة الأردنية والخدمات الطبية الملكية، إضافة إلى الشراكة مع المؤسسات الفلسطينية والمنظمات الدولية العاملة داخـل القطاع، مضيفا أن هـذا التنسيق ضــروري لضمان أن تكون كل خطوة قانونية، منظمة، ومتوافقة مع المعايير الإنسانية الدولية. وتــــحــــدث الــــعــــبــــادي عــــن حـجـم الجهود المبذولة، قــائلا إن الأردن تمكن منذ بداية الحرب من إرسال شاحنة عبر 8664 مـا مجموعه أكثر من مئتي قافلة. وأكـــــــــــد أن هـــــــــذه الأعـــــــــــــــداد لا تـعـكـس فـقـط حـجـم الالــــتــــزام، بل صعوبة الطريق الــذي تسلكه كل شاحنة، إذ تحمل الطحين والخبز والــــطــــرود الـــغـــذائـــيـــة، إلــــى جـانـب الأدويــــة والمستلزمات الجراحية ومــــســــتــــلــــزمــــات الإيـــــــــــواء ومـــــــواد الـنـظـافـة، وهـــي أولـــويـــات تحددها الظروف اليومية داخل القطاع. وأشــار العبادي إلـى أن المعابر تـشـك ّّــل الــتــحــدي الأكـــبـــر، مـوضـح ًًــا أن إغلاقــــهــــا الـــمـــتـــكـــرر أو فـتـحـهـا لساعات معدودة يجعل التخطيط اللوجستي مهمة شبه مستحيلة. وقــــــال إن الـــشـــاحـــنـــات تـخـضـع لإجراءات تفتيش طويلة وقد تبقى عالقة لأيــام، فيما يتعرض بعضها لمخاطر أمنية مباشرة، كما حدث فـي الاعــتــداء الـــذي واجـهـتـه إحـدى القوافل الأردنية. وأضاف أن نقص الوقود وانهيار البنية التحتية داخـــل غــزة يجعل تـوزيـع المساعدات داخــل القطاع مهمة لا تقل صعوبة عن إيصالها إلى المعابر. وأكـد العبادي أن الهيئة تضطر بـشـكـل مـتـكـرر إلـــى إعـــــادة ترتيب أولــويــاتــهــا بـسـبـب تــأخــر الـــدخـــول، مــوضــح ًًــا أن الـتـركـيـز يـتـحـول نحو المواد الأعلى قيمة غذائية أو الأكثر إلحاح ًًا في الحالات الطبية. وأضــــاف أن هـــذا الــواقــع يعطل الكثير مـن الـبـرامـج المخطط لها، ويخلق فجوة بين ما يغادر الأردن وما يصل فعلي ًًا إلى داخل غزة، وهو مـا يفرض ضغط ًًا نفسيًًا وإعلامـيًًــا كبيرًًا على فرق العمل. وتـــــطـــــرق رئــــيــــس الـــهـــيـــئـــة إلـــى التحدي المرتبط بضمان وصـول الــمــســاعــدات إلـــى الــفــئــات الأكـثـر هـشـاشـة داخــــل الــقــطــاع، مـشـيـرًًا إلى أن ذلك يتم عبر شراكة وثيقة مـــــع مـــنـــظـــمـــات دولـــــيـــــة وأمـــمـــيـــة وفلسطينية تـمـلـك الـــقـــدرة على الـــــوصـــــول إلـــــى الـــمـــنـــاطـــق الأكـــثـــر خطورة. وقال إن عملية التوزيع تعتمد على معايير دقيقة تشمل الأسر الـتـي فـقـدت منازلها وكـبـار السن وذوي الإعـــاقـــة والأطــــفــــال، مـؤكـدا أن الـهـيـئـة تـعـتـمـد عــلــى الـتـوثـيـق والــــمــــتــــابــــعــــة لــــضــــمــــان وصــــــول المساعدات إلـى مستحقيها رغم البيئة القتالية. وفي حديثه عن دور الهيئة في دعم المستشفى الميداني الأردني في غزة، أوضح العبادي أن التعاون مـع الـقـوات المسلحة والخدمات الطبية الملكية هو أساس استمرار هذه الجهود. وأضــــــــــاف أن الـــهـــيـــئـــة تــعــمــل على تـزويـد المستشفى بـالأدويـة والـمـسـتـهـلـكـات الــطــبــيــة، إضــافــة إلــــى تــجــهــيــزات الإيـــــــواء لـلـمـرضـى ومــرافــقــيــهــم، مـــؤكـــدا أنــهــا تسعى إلى تأمين ما ينقص المستشفى بالتنسيق مع الجهات الدولية كلما أمكن. وتــــنــــاول الـــعـــبـــادي مـــلـــف نـقـل الـــجـــرحـــى مــــن غـــــزة إلـــــى الأردن، موضحًًا أن العملية تمر بمراحل مـــعـــقـــدة تـــبـــدأ بــتــرشــيــح الـــحـــالات داخل غزة ثم التنسيق مع الجهات الأردنية والمصرية والدولية، مرورًًا بتأمين المرور عبر المعابر وانتهاء بنقلهم إلى المستشفيات الأردنية. وأكـــــد أن الــهــيــئــة تــســاهــم في تغطية جزء من التكلفة اللوجستية وتقدم الدعم الإنساني للمرافقين، مضيفًًا أن “هـذا جـزء من الالتزام الــذي يحمله الأردن تجاه الأشقاء هناك”. وخـــتـــم رئـــيـــس الــهــيــئــة حـديـثـه بالتأكيد على أن الأردن سيواصل أداء دوره مهما طــال أمــد الأزمـــة، قائلا ًً: «قد تغلق المعابر، وقد تتأخر الشاحنات، لكن عزيمتنا لا تتوقف، نحن نعرف أن كل شحنة تصل إلى غزة تعني إنقاذ حياة، وهذا وحده يكفينا لنواصل عملنا بلا تردد”. تباين المواقف الدولية وعرقلة المساعدات وقــال المحلل السياسي جـواد العناني إنـه من غير المعقول أن تكون المساعدات متساوية بين جميع الــــدول، فـالـتـفـاوت طبيعي في بعض جوانبه، ومرتبط بظروف سياسية أو لوجستية في جوانب أخــــرى، مضيفًًا أن الــــدول الأقـــرب جغرافيًًا قد تكون أكثر قـدرة على إيصال الـدعـم، في حين أن الـدول الـتـي ترتبط باتفاقيات سلام مع إســــرائــــيــــل تـــجـــد تـــســـهـــيلات أكــبــر لإدخال البضائع مقارنة بتلك التي لا تملك علاقات دبلوماسية. كــــمــــا أشـــــــــار إلــــــــى أن بــعــض الحكومات تقيّّم حجم مساعداتها بناء على طبيعة العلاقة السياسية مع حركة حماس، الجهة الحاكمة فـــي الـــقـــطـــاع، بـيـنـمـا تـتـبـنـى دول أخرى كـالأردن موقفًًا إنسانيًًا يركّّز على إيصال المساعدات مباشرة للمدنيين دون اعتبار للانتماءات السياسية. وأضـــــاف الـعـنـانـي أن الـمـوقـف الإسـرائـيـلـي لا يـــزال أحــد العوامل الـــرئـــيـــســـيـــة الـــتـــي تـــعـــرقـــل تــدفــق الـــمـــســـاعـــدات، وأن هــنــاك حـــالات مـوثـقـة تشير إلـــى اعـــتـــداءات من قـبـل الــجــنــود الإسـرائـيـلـيـيـن على الأهــالــي أثــنــاء تجمعهم فــي نقاط تــوزيــع الــمــســاعــدات، م ّّـــا أدى إلـى سقوط قتلى وجرحى. ودعـا العناني إلـى فتح المعابر بـــشـــكـــل كــــامــــل ودون تـــــــدخلات، ووضع آلية رقابة مستقلة ونزيهة تــشــرف عـلـى عملية الــتــوزيــع بما يـضـمـن وصــــول الــمــســاعــدات إلـى مستحقيها، مـشـددا على أهمية تقريب نقاط التوزيع مـن الأحياء السكنية لتقليل الـمـخـاطـر التي يواجهها المدنيون، خاصة النساء والأطـفـال، أثناء محاولتهم تأمين احتياجاتهم الأساسية. وفــي تعليقه على التباين في مـــواقـــف الــــــدول تـــجـــاه غـــــزة، قــال الـعـنـانـي إن هـنـاك مــن يـربـط بين حـــمـــاس والإخــــــــوان الـمـسـلـمـيـن، فيأخذ منها موقفًًا سلبيًًا، وهناك مـــن يـعـتـبـر أن الــمــقــاومــة دخـلـت الـحـرب دون حـسـابـات دقـيـقـة، م ّّا وف ّّــــر لإســـرائـــيـــل ذريـــعـــة لـلـهـجـوم، ولـــكـــن هـــــذا الــــوقــــت لـــيـــس وقـــت حساب سياسي، الأولوية الآن يجب أن تـكـون لإنــقــاذ الـمـدنـيـيـن الـذيـن يُُقتلون ويُُج ََو ّّعون ويُُشرّّدون. وانـــتـــقـــد الـــعـــنـــانـــي مــــا وصــفــه بالقصور الـعـربـي الــواضــح، مـؤكـدًًا أن هـــذا التقصير أدى إلـــى زيـــادة معاناة سكان غزة، في وقت تحتاج فــيــه الــقــضــيــة إلــــى مـــوقـــف عـربـي مــوحــد وواضــــــح، يُُــعـلـي مـــن شـأن العمل الإنـسـانـي فــوق الحسابات السياسية. وأكد أن حكومة نتنياهو تواجه تحديات داخلية وخارجية متفاقمة، حــتــى مـــن حـلـفـائـهـا الـتـقـلـيـديـيـن، فالمظاهرات في الولايات المتحدة وأوروبا تعكس غضب ًًا شعبي ًًا واسع ًًا تجاه سياسات إسرائيل الوحشية، وهـنـاك حالة مـن الغضب الدولي الـمـتـصـاعـد تُُــظـهـر مـــدى انـكـشـاف إسرائيل أخلاقيًًا أمام العالم. وقـــــال ان مـــا يـــجـــري فـــي غــزة ليس مـجـرد عـــدوان عـسـكـري، بل جريمة أخلاقية وإنسانية في حق شعب أعزل، على الدول العربية أن تتوقف عن الاكتفاء بالمشاهدة، وأن تنتقل إلــى الفعل الحقيقي، الــســيــاســي والإنـــســـانـــي عــلــى حد سواء، فالمعركة لم تعد فقط بين غزة والاحتلال، بل أصبحت اختبارًًا حقيقيًًا لضمير العالم أجمع. الآثار الصحية للمجاعة وقال أخصائي التغذية الدكتور قتيبة محيسن إن أبــــرز علامـــات الخطر التي تحدث أثناء المجاعة، تباطؤ عمليات الأيض، إذ ينخفض مـعـدل الأيـــض الأســاســي «معدل حرق السعرات الحرارية في حالة الراحة» لتقليل استهلاك الطاقة، واستنزاف الدهون، إذ يبدأ الجسم في حرق الدهون المخزنة كمصدر بديل للطاقة. وتابع محيسن أن الجسم يبدأ في تكسير العضلات للحصول على البروتينات التي يمكن تحويلها إلى جلوكوز، مؤكدا أن نقص التغذية يمكن أن يؤدي إلى ضمور الأعضاء وانـخـفـاض وظائفها، بما فـي ذلك القلب والرئتين والكلى، واضعاف الجهاز المناعي، مما يجعل الجسم أكـــثـــر عـــرضـــة للإصــــابــــة بـــالـــعـــدوى والأمراض. وأضــــــــاف مــحــيــســن قــــد تــتــأثــر التغيرات الهرمونية المسؤولة عن تنظيم الشهية والتمثيل الغذائي، مما يظهر سلوكيات مثل الخمول والتهيج وفقدان التركيز، وتأثيرات طويلة الأمـــد، مثل، فـقـدان الــوزن الـــشـــديـــد نـتـيـجـة لـــحـــرق الـــدهـــون والـــعـــضلات، ونـقـص الفيتامينات والمعادن، إذ يؤدي نقص التغذية إلى نقص الفيتامينات والمعادن الأســـاســـيـــة، مـمـا يـسـبـب أمـــراض ًًـــا مثل فقر الـدم، ولين العظام لدى الكبار والبالغين. وأفــــاد محيسن بـــأن المجاعة يـمـكـن أن تــــؤدي إلــــى مـضـاعـفـات صـــحـــيـــة خــــطــــيــــرة، مــــثــــل، فــشــل الأعـــــضـــــاء، والــــتــــهــــابــــات شــــديــــدة، والـــمـــوت، مـــؤكـــدا أن الـتـأثـيـر عند الأطفال يختلف عنه في البالغين من ناحية النمو والتطور، إذ يمكن أن يــســبــب ســـــوء الـــتـــغـــذيـــة عـنـد الأطـفـال “الـكـسـاح»، نتيجة نقص الكالسيوم وفيتامين د. وأشــار إلـى عملية إعــادة إدخـال الــطــعــام الــــى الــجــســم، بــعــد فـتـرة طـويـلـة مــن الـمـجـاعـة، إذ يتطلب عـنـايـة فـائـقـة ودقــيــقــة لتجنب ما يسمى بـ «متلازمة إعادة التغذية» نـتـيـجـة لـلـتـغـيـرات الأيــضــيــة وتـعـد حــــالــــة خـــطـــيـــرة، إذ يـــجـــب تـقـيـيـم الـــحـــالـــة الــصــحــيــة أولا، ومـــــن ثـم الــبــدء فــي إعــطــاء الــطــعــام بشكل تـدريـجـي بـكـمـيـات قليلة جـــدا مع التركيز على الأغذية سهلة الهضم والغنية بالبروتينات والفيتامينات والمعادن. وتابع محيسن ثم زيـادة كمية الــطــعــام بـشـكـل تــدريــجــي، إذ يتم إدخـــــال مــجــمــوعــات أغـــذيـــة أخـــرى بــشــكــل أكــــبــــر، مــــؤكــــدا اســـتـــخـــدام العلاج الدوائي في بعض الحالات، منها عند وجود عدوى في الجسم أو حالة نفسية مرتبطة بالتغذية، إذ إن الـتـغـذيـة بـعـد الـمـجـاعـة هي عـمـلـيـة دقــيــقــة تـتـطـلـب تخطيط وتقييم وإشراف طبي لمنع بعض المضاعفات. وشـــرحـــت أخــصــائــيــة الـتـغـذيـة آلاء الجغبير كيفية تفاعل جسم الإنـــســـان بـيـولـوجـيـا مــع الـمـجـاعـة، إذ إن الـتـوقـف عــن الأكـــل الجسم يغير طريقة حصوله على الطاقة، ســـاعـــة يـسـتـخـدم 48-٢٤ أول الـــجـــلـــوكـــوز الــــمــــوجــــود فــــي الــــدم ومـخـزون الجليكوجين مـن الكبد والـــعـــضلات، بـعـدهـا يــبــدأ الجسم فـي حــرق الــدهــون للحصول على الــطــاقــة، ومـــع اســتــمــرار المجاعة يبدأ الجسم في تكسير البروتينات «العضلات»، وهو أخطر مرحلة لأن الجسم يستهلك أنسجته الحيوية. فـــي حــيــن أضـــافـــت الــجــغــبــيــر، أن جـسـم الإنـــســـان يـمـكـن أن يصمد يوم ًًا بـدون طعام 70 إلـى 30 من بــــشــــرط وجـــــــود مـــــــاء، وأن كـمـيـة الدهون المخزنة، وصحة الشخص قبل المجاعة، ومستوى النشاط البدني، والأمراض مزمنة، جميعها عوامل تؤثر على مدة الصمود. البُُعد القانوني للجريمة أوضـــــــح الـــخـــبـــيـــر فــــي الـــقـــانـــون الدولي الدكتور عبد السلام هماش أن مــــا يـــحـــدث فــــي غـــــزة يُُــصــنََّــف كجريمة إبــــادة جماعية وجريمة ضــد الإنــســانــيــة، فـوفـقـا للتعريف الـــقـــانـــونـــي، تُُـــعـــد جـــريـــمـــة الإبــــــادة الـجـمـاعـيـة كـــل ســلــوك يستهدف القضاء على جماعة بشرية معيّّنة كليا أو جزئياًً، وقـد أُُقـــرت اتفاقية تُُعرف بـ «اتفاقية 1948 دولية عام الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية»، التي منحت محكمة العدل الدولية الاختصاص للنظر في مثل هذه الجرائم. وأضــــــــاف هــــمــــاش أن الـــنـــظـــام الأســــاســــي لــلــمــحــكــمــة الــجــنــائــيــة الدولية حد ّّد أربع جرائم ت ُُعد الأخطر عـلـى المجتمع الـــدولـــي، كجريمة الإبــــادة الجماعية، جـرائـم الـحـرب، الــجــرائــم ضــد الإنـسـانـيـة وجـريـمـة الـــعـــدوان، وهــــذه الــجــرائــم تخضع للمساءلة أمام المحكمة الجنائية الــدولــيــة، ومـــا تـشـهـده غـــزة الـيـوم يمكن تصنيفه إمـا كجريمة إبـادة جماعية مستقلة أو كـصـورة من صور الجرائم ضد الإنسانية. وبيّّن هماش إن محكمة العدل الدولية تنظر في القضايا المتعلقة بتجريم الإبــــــادة الـجـمـاعـيـة عـلـى مستوى ت ـــــدان الــدولــة � الـــــدول، ويـمـكـن أن وتُُلزم بدفع التعويضات، موضحًًا بشأن المحكمة الجنائية الدولية، فهي تختص بالمسؤولية الجنائية الفردية التي تشمل رؤساء الدول والــقــادة العسكريين وكــل جندي شارك في عمليات القتل أو الإبادة، إذ لا يُُعتد بالحصانة أمام المحكمة الجنائية الدولية. وأشـار هماش إلى أن إسرائيل تُُدان حاليا على المستوى العالمي بـارتـكـابـهـا جـريـمـة الـتـجـويـع، وهـي مـــن الـــجـــرائـــم الـمـصـن ََّــفـة كـجـرائـم ضـــد الإنــســانــيــة وقــــد تـــرقـــى أيــضــا إلـــى مـسـتـوى الإبــــــادة الـجـمـاعـيـة، كـــمـــا يـــشـــمـــل ذلــــــك مـــنـــع إدخــــــال الــمــســاعــدات الإنــســانــيــة وعـرقـلـة جهود المؤسسات الدولية لتقديم الإغـاثـة، وهـو فعل مجرََّم بموجب الــــنــــظــــام الأســــــاســــــي لــلــمــحــكــمــة الجنائية الدولية. كما لفت إلـى أن ما يجري في غـــزة يتضمن أيــضــا جــرائــم أخـــرى، مـــثـــل الاعــــــتــــــداء الـــمـــبـــاشـــر عـلـى الـمـدنـيـيـن، واســـتـــهـــداف الأطــفــال والــنــســاء وكـــبـــار الـــســـن، وانـتـهـاك مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير الـمـقـاتـلـيـن، مـــؤكـــدًًا أن كـــل عمل عــســكــري مـــوج ََّـــه ضـــد الـمـدنـيـيـن، بـــهـــدف الـــضـــغـــط عـــلـــى الــمــقــاومــة وإجبارها على الاستسلام، ي ُُعد فعلا مجر ََّما ومرفوضا دوليا ًً، ويستوجب الـــمـــســـاءلـــة والــــعــــقــــاب مــــن قـبـل المجتمع الدولي. معاناة أهالي القطاع مستمرة حتى بعد اتفاق وقف الحرب المصدر: الجزيرة نت
RkJQdWJsaXNoZXIy NTAwOTM=