2025 تشرين الثاني 23 _ 1447 جماد ثاني 2 الأحد 5 سنابل ࣯ ي رموك- حذيفة محاسنة � صحافة ال يُُجمع الخبراء في الأردن على أن ملف التغير المناخي قد تجاوز مرحلة التحذيرات النظرية ليصبح «هاجساًً» وطنياًً، يمس بشكل مباشر عــصــب الـــحـــيـــاة فـــي الــمــمــلــكــة: الأمـــــن الـمـائـي والــغــذائــي، فبينما تُُظهر الـمـؤشـرات العلمية ارتفاعا مقلقا في درجات الحرارة وانخفاضا في الهطول المطري، تظهر الآثــار جلية في تراجع الـمـحـاصـيـل الـــزراعـــيـــة، وتــفــاقــم أزمــــة الـمـيـاه، وحتى في تغيير الأنماط الاجتماعية وسلوكيات اليافعين. وفي مــوازاة ذلـك، يبرز وعي شبابي ملحوظ بالقضية، لكنه يصطدم بتحديات «ثقافة التدوير» وغياب الأنظمة الفاعلة. وعي الشباب بين السوشل ميديا والمصادر الموثوقة وقـــال عضو لجنة المجلس الـبـلـدي لبلدية النسيم المهندس سعد النواصرة إن الشباب الاردنــــي لديهم وعــي وفـهـم جـيّّــد إلــى جيد جـد ًًا في ظاهرة التغيّّر المناخي، وأسبابها المباشرة وغير المباشرة، وذلــك من خلال الاستبيانات والدراسات. وبيّّن النواصرة أن الشباب عــادة يعتمدون على وسـائـل الـتـواصـل الاجـتـمـاعـي، ومحركات البحث المختلفة للحصول على المعلومات حـول ظاهرة التغيّّر المناخي، مبينًًا أن أفضل المصادر للحصول على معلومات دقيّّقة حول ظـاهـرة المناخ، هـي الهيئة الحكومية الدولية للمناخ كمصدر علمي موثوق. وأوضـح أن هنالك منسوب بـارز في ملفات التغي ّّر المناخي في المناهج التعليمية، وخاصة بين طلبة المدارس، حيث يوجد إضافات نوعية لكافة الصفوف المدرسية فـي شـــؤون التغيّّر المناخي، موضح ًًا أن وسائل الإعلام تحتاج إلى توضيح صاعد ونوعي، وتحقيقات إستقصائية، في ملفات التغيّّر المناخي. وأكد النواصرة ضـرورة توفر عملية انتقالية فــي مـوضـوعـات الـثـقـافـة الـمـنـاخـيـة، مــن فكرة المناهج إلــى فكرة تعزيز الحضور فـي عملية صـنـع الـــقـــرار، وتــوســيــع مــشــاركــة الــشــبــاب في النقاشات الوطنية والدولية في ظواهر التغيّّر المناخي. وأشـــــار إلــــى عــــدم وجــــود عـــوائـــق اقـتـصـاديـة واجـتـمـاعـيـة تــدفــع الــشــبــاب إلـــى عـــدم تطبيق ممارسة صديقة للبيئة، حيث أنه لديهم الحافز، لكن يحتاجوا إلـى وجــود سستم يدفع في هذا الملف، مؤكدًًا أنّّــه يوجد مساحة جيدة للعمل الشبابي في المبادرات البيئية. هاجس المياه: الأزمة الأكبر في المملكة وقـــــال إن هــنــالــك أثـــــار كــبــيــرة جـــــدًًا للتغيّّر المناخي على المحور المائي في المملكة، ما سبب هاجس كبير للاردنـيـيـن، نـظـرًًا إلـى كثير مـن المشاكل الـتـي تعاني منها المملكة في موضوع الأمــن المائي، بسبب عوامل الهجرة والنزوح، وزيادة الطلب على المياه. وبين النواصرة أن مُُعظم طـرق الـزراعـة في المملكة هي مرو ّّية وخاصة في منطقة الاغوار، م ّّــا سبب نقص فـي الـمـيـاه، كما أثـــرت درجــات الحرارة على المحصول الزراعي، مبينًًا أن هناك مـشـاريـع رائــــدة فــي الـتـحـول الــطــاقــي، لضمان تحول عادل وشامل للطاقة. ولفت إلى تزايد شعور المجتمع الاردني بهذه الظاهرة، بالإضافة إلى مناطق كثيرة تعاني من أشجار الزيتون الشحيحة بسبب قلة الامطار، كـمـا أن الـعـامـلـيـن فـــي الــقــطــاع الـــزراعـــي قـــد لا يدركوا بشكل مباشر ظاهرة التغيّّر المناخي، لكنهم يلمسون حالة التغي ّّر الناتجة عن الظواهر المناخية بصغتهم ولغتهم. مـن جـانـب آخـــر، أبـــان الـنـواصـرة إلــى أن أبـرز الـظـواهـر، التي لها تـأثـيـرات أيـض ًًــا على الجانب النفسي والإنــســانــي للأطــفــال والـيـافـعـيـن هي مـــوجـــات الــــحــــرارة، والـــجـــفـــاف، مــشــيــرًًا إلـــى أن موجات الحرارة سببت عدم إنخراط الاطفال في اللعب في الأزقـة والـشـوارع، كما أصبح لديهم سلوكيات الادمان على الهواتف الذكية، وسبب مـشـكـلـة لـــدى الاطـــفـــال والـيـافـعـيـن فـــي النمو والتأثير على التفاعل في المجتمع. مساهمة عالمية ضئيلة ومحليا «ثقافة التدوير» غائبة وقـــال الـنـواصـرة إن الأردن ليس المساهم الرئيسي فيما يتعلق بالانبعاثات الكربونية، وانـبـعـاثـات الــغــازات الـدفـيـئـة، فــــالأردن يساهم بستة بالألف من انبعاثات الغازات العالمية فهو ليس مؤثرا بشكل كبير، وكذلك الشباب، ليسوا مؤثرين في موضوع التغيّّر المناخي. وأشــار إلـى أن الممارسات الصديقة للبيئة يوجد عليها إشكالية تتركز على موضوع الالقاء العشوائي للنفايات مّّا يضر بالبيئة، حيث أنه يوجد استخدام كبير للبلاستيك، مشيرًًا إلى غياب ثقافة إعادة التدوير، ومن الضروري إيجاد نظام متكامل من البداية إلى النهاية في إعادة التدوير. مؤشرات علمية: ارتفاع قياسي للحرارة وانخفاض الهطول ومن جهة أخرى، قال أستاذ تكنولوجيا البيئة في جامعة جرش الدكتور محمد المحافظة إن أبرز المؤشرات العلمية التي تؤكد تفاقم ظاهرة الـتـغـيّّــر الـمـنـاخـي فــي الـسـنـوات الأخـــيـــرة، هـي، الارتفاع القياسي في درجات الحرارة، وتضاعف وتــيــرة ذوبــــان الـجـبـال، والأنـــهـــار، والمسطحات الجليدية حول العالم، وارتفاع مستوى سطح البحر والتغيرات في أنماط الطقس، وموجات الحرارة التي نشهدها بشكل متكرر. وأكد المحافظة أنّّه وفق ًًا لكثير من الدراسات البحثية، التي قام بها الباحثون الأردنيون، تؤكد أن ارتفاع درجات الحرارة السنوية العظمى بين ثلاث الـى سـت عشرة درجـة مئوية، فيما تبلغ درجـة 2.6 الـى 0.4 درجـــات الـحـرارة الد ُُنيا مـن مئوية، حيث أن هناك انخفاض في الهطولات المطرية، وزيادة التبخر. وأوضــــــح أن هـــنـــاك عـــوامـــل نـعـتـمـد عليها كـأكـاديـمـيـيـن لـلـتـفـريـق بـيـن الـتـغـيّّــر الـمـنـاخـي والتقلبات الجوية الطبيعية، حيث أن التغيّّر المناخي هو تغي ّّر طويل الامد في أنماط الطقس وعـــــادة يـكـون نـاتـج عــوامــل طبيعية، وعـوامـل بشرية، مضيفا أن التقلبات الجوية الطبيعية فتكون قصيرة الامـد في أنماط الطقس، مثل موجات الحر والعواصف. وأشــــار الـمـحـافـظـة إلـــى أن المملكة تـواجـه تحديات كبيرة ونقص حاد في المصادر المائية بسبب ظـاهـرة التغيّّر الـمـنـاخـي، حـيـث أكـدت بـعـض الـــدراســـات أن المملكة تـعـد ثـانـي أفقر دولـة بالمصادر المائية، بسبب ظاهرة التغيّّر المناخي في أنماط الهطولات المطرية وارتفاع درجات الحرارة. وأضـــاف أن الإنــتــاج الــزراعــي تــراجــع، وأصبح هناك مـؤشـرات تصحر، وهــذا يؤثر سلبًًا على التنوع البيولوجي والتنوع الحيوي، ويقلل من فرص دعم النشاط الـزراعـي، مبينًًا أنّّــه يتطلب اسـتـراتـيـجـيـات فــي إدارة مـسـتـدامـة للأراضــــي، والـمـيـاه، والـبـيـئـة، والـــمـــوارد الـمـتـأثـرة بالتغيّّر المناخي. وأشــــار المحافظة إلـــى أن الـتـغـيّّــر المناخي يـؤثـر على الامـــن الـغـذائـي فـي الـمـدى الطويل، من خلال تغير أنماط الهطولات المطرية التي تؤدي إلى انخفاض إنتاج المحاصيل، حيث أنه يوجد نقص في المياه المخصصة للري، وتفاقم مشكلة الزيادة في مدخلات الانتاج، والاحتياج الاكبر للتقنيات التكنولوجية في مجال الزراعة. وقال المحافظة إن تأثيرات التغيّّر المناخي لا تقتصر فقط على القطاع الــزراعــي، بـل على قطاعات كثيرة كالقطاع السياحي والصناعي، حــيــث زيــــادة مــعــدلات الأســـعـــار ونــقــص مـــوارد مصادر الدخل الرئيسية، وتأثير على الاستثمار في البناء. ن ــــه يـوجـد تـحـديـات كـبـيـرة فــي عملية � وأكـــد أ الـــمـــوازنـــة بــيــن الـتـنـمـيـة الأقــتــصــاديــة وتقليل الانبعاثات، بالنسبة الى حكومات العالم، حيث يوجد عاتق على الحكومة في إستثمار الطاقة الـمـتـجـددة والـتـكـنـولـوجـيـا، وتطبيق سياسات تـسـعـيـر الـــكـــربـــون، وتـحـسـيـن كـــفـــاءة الــطــاقــة، والعمل على زيـادة التعاون الدولي والاقليمي للحد من ظاهرة التغيّّر المناخي. دور الجامعات والذكاء الاصطناعي وأوضـــح المحافظة أن العمل جــاري بوتيرة متسارعة في مجال التغي ّّر المناخي، وأن العديد من الجامعات والمؤسسات البحثية الاردنية والدولية وصندوق البحث العلمي، قدموا ثمرة تعاون في مجال الذكاء الاصطناعي في عمليات التحليل والنمذجه الخاصة بالمناخ. وأضـــــاف أن الــجــامــعــات والــبــحــث الـعـلـمـي عليها واجب محوري وأساسي في نشر الوعي حول ظاهرة التغيّّر المناخي، من خلال تطوير المناهج، وعمل المؤتمرات الخاصة في مجال الــمــنــاخ، وتـشـجـيـع الـمـجـتـمـع عـلـى الـمـشـاريـع البيئية. وعي الشباب بين المعرفة والممارسة وفـي سياق آخــر، قـال قائد فريق الأردن في فـــرص خــضــراء حـــول الـعـالـم أســامــة الخطايبة إن علاقته بـدأت بالعمل البيئي بسبب شغف شــخــصــي، لـفـهـم كــيــف تــتــأثّّــر حـيـاتـنـا الـيـومـيـة بالتلوث، والـنـفـايـات، وتغيّّر الـمـنـاخ، مّّــا جعله باحث ومشارك في المبادرات البيئية. وأضــاف الخطايبة أن وعـي الشباب موجود، لكنه تركيزي ومحدود بسبب إرتباطه بالتعليم، والــــحــــملات الــمــعــيــنــة، ولــيــســت عــــــادة يـومـيـة طبيعية، حيث أن هناك تحد ّّي في بعض الأماكن لا يوجد بها صناديق مخصصة للنفايات. وأضاف أن الشباب لديهم معرفة جيدة عن القضايا البيئية، لكن تأثيرهم الحقيقي يظهر عند مشاركتهم على أرض الواقع، والمبادرات الفعلية، والعملية، مضيفًًا أن الحل الأفضل يكمن بتوفير حلول عملية، مـع وجــود عقوبة بسيطة ورقابة على السلوك البيئي. وأبـــــرز الـخـطـايـبـة أهــــم الــنــشــاطــات البيئية والأجـــتـــمـــاعـــيـــة الـــتـــي شـــــارك بـــهـــا، قـــائـــد فـريـق الأردن فـي فـرص خـضـراء حـول العالم، وقيادة حــملات زراعــة الأشـجـار مع بلدية إربــد الكبرى، والتوعية البيئية والمجتمعية كمثقف صحي مـع مؤسسة الحسين للسرطان، والمشاركة في مؤتمر الأردن لتعزيز دور الشباب بالقضايا البيئية والمجتمعية. هل يعي الشباب الأردني قضايا البيئة والتغير المناخي؟ تعبيرية ࣯ ي رموك- راما الزبن � صحافة ال فـي قلب المستشفيات الأردنــيــة، وتحديدًًا في مركز الملكة رانيا العبد الله للأطفال وُُلدت واحدة من أروع قصص النجاح في عالم الطب، إنــهــا قـصـة الــدكــتــور مـحـمـد الـمـلـيـفـي الـدعـجـة استشاري جراحة الأطفال الـذي لم يكن مجرد طبيب يـــؤدي واجــبــه كـــان إنــســانًًــا أعـــاد الحياة والابتسامة لعشرات الأطفال وعائلاتهم. منذ بـدايـاتـه، حمل الـدكـتـور المليفي حلمًًا واحــــــد ًًا: أن يــكــون سـبـبًًــا فــي إنــقــاذ حــيــاة طفل وتخفيف ألم أم، هذا الحلم قاده لدراسة الطب والتخصص في واحد من أدق وأصعب المجالات – جراحة الأطـفـال، لم تكن الطريق سهلة لكن شغفه وحبه للمهنة دفعاه لاجتياز كل التحديات حـتـى أصـبـح الــيــوم مــن أبـــرز الأســمــاء فــي هـذا المجال على مستوى الأردن والمنطقة. تميّّز الـدكـتـور المليفي ليس فقط بخبرته الطبية تميز أيض ًًا بإنسانيته تعامل مع المرضى بعين الطبيب وقلب الأب، واستطاع في عدة حــــالات حــرجــة أن يـثـبـت أن الــطــب لـيـس فقط أدوات ومعرفة إنما إحساس ورسالة. «بنتك ما عندها مريء» في لحظة صمت وذهــول، وقفت الأم تنظر إلـــى مـولـودتـهـا الـصـغـيـرة فــي الـحـاضـنـة وجهها الجميل لم يكن يخفي الحقيقة القاسية: كانت الطفلة تعاني من حالة نــادرة وخطيرة جــدًًا، لا يوجد فـي جسدها مـــريء... الأنـبـوب الطبيعي الذي ينقل الغذاء من الفم إلى المعدة لم يكن موجود ًًا من الأساس. في عالم الطب، هناك لحظات تتجاوز حدود العلم والتقنية لتصبح قصص ًًا إنسانية تُُــروى للأجيال، إحدى هذه القصص هي قصة الطفلة التي وُُلـــدت بتشوّّه خلقي نــادر وخطير: غياب كامل للمريء، وهـي حالة تُُــعـرف باسم «رتـق المريء الطويل.» فــي هـــذه الـحـالـة، لا يـوجـد اتــصــال بـيـن الفم والمعدة مما يجعل التغذية الطبيعية مستحيلة وي ُُعرض حياة المولود للخطر منذ اللحظة الأولى ا جراحيًًا معقد ًًا، يُُعرف تتطلب هذه الحالة تدخلًا باسم «سحب المعدة» حيث يتم نقل المعدة إلى أعلى الصدر وربطها بالمريء العلوي لتأمين مسار جديد للطعام. بــدأ الـفـريـق الـطـبـي، بـقـيـادة الـدكـتـور محمد بـإجـراء عمليتين مؤقتتين: فتحة في المعدة لــتــتــغــذى مــنــهــا الــطــفــلــة، وأخــــــرى فـــي الــرقــبــة لتصريف اللعاب ومنع اختناقها، ثم بدأت رحلة الانتظار انتظار أن يكبر الجسد الهش ويقوى بما فيه الكفاية لتحمل الجراحة الكبرى. بعد عدة أشهر، وعندما وصلت الطفلة إلى وزن مناسب قرر الدكتور محمد وفريقه إجراء العملية الكبرى وهي واحدة من أخطر عمليات الجهاز الهضمي للأطفال: سحب المعدة خلف القلب وتوصيلها بالمريء العلوي. هذه العملية تُُعد من أعقد وأخطر جراحات الأطفال في العالم، ليس فقط لصعوبتها التقنية بــل لأن الــجــراح عليه أن يتعامل مــع مساحة ضيقة جد ًًا، خلف القلب وبين الرئتين، والخطر الحقيقي لا يكمن فقط أثـنـاء الـجـراحـة بـل في الأيـام التالية حيث أي تسريب قد يودي بحياة الطفل. العملية استغرقت ساعات طويلة، تم خلالها تحرير المعدة من مكانها الطبيعي في البطن وإنـشـاء نفق خلف القلب لتمرير المعدة إلى منطقة الــرقــبــة، حـيـث تــم توصيلها بـالـمـريء العلوي وهذه الخطوة تتطلب دقة فائقة حيث يكون القلب والرئتان في مسار العملية وأي خطأ قد يكون مميتًًا. عن إجراء هذه العملية، يقول الطبيب محمد «عندما كنت أحفر النفق بإيدي القلب كان بين أصـابـعـي بـنـبـض، كـانـت لحظة صعبة ومهيبة بنفس الوقت بعدها سحبنا المعدة من خلف القلب وأوصـلـنـاهـا بـالـمـريء الـعـلـوي، الطفلة ظلت على جـهـاز التنفس الصناعي لأيـــام لكن الحمد لله نجت». في إحـدى غـرف العناية الحثيثة، كـان جسد صغير يقاوم بكل ما أوتي من أنفاس متقطعة، طفلة لا يـتـجـاوز الـعـامـيـن م ّّـــرت بـحـالـة صحية معقدة جعلت كـل دقيقة مـن حياتها تُُحسب بحذر وقلق، عيناها مغمضتان وأجهزة التنفس تملأ الغرفة بينما يقف خلف الزجاج فريق طبي لا يغمض له جفن. عشرة أيام كاملة في وحدة العناية المكثفة حـيـث لا مـجـال للخطأ، أنــبــوب تنفس صناعي مـراقـبـة دائــمــة لـلـعلامـات الـحـيـويـة واسـتـعـداد دائـــــم لأي طــــــارئ: قـــصـــور فـــي الـــقـــلـــب؟ ضيق تنفس؟ انهيار مفاجئ في الدورة الدموية؟ كل الاحتمالات كانت مطروحة. ولأن حـالـتـهـا كـــانـــت بــالــغــة الـحـسـاسـيـة تم إدخال الهواء إلى معدته عبر أنبوب خاص تجنب ًًا لأي انتفاخ قـد يضغط على القلب، كانت تلك الإجـــراءات الدقيقة جــزءًًا من بروتوكول صارم يهدف لحماية هـذا الجسد الصغير من أبسط مضاعفة ممكن أن تُُنهي حياتها. ثـــم، وبــعــد عــشــرة أيــــام مـــن الــتــرقــب حـانـت اللحظة المنتظرة: نُُزع جهاز التنفس، تنفّّست الطفلة وحـدهـا شهقة واحـــدة مـن فمها كانت كافية لتُُعيد الحياة لأهلها وللطاقم الطبي الذي رافقها خطوة بخطوة. الرحلة لم تنته هنا صورة ملونة أُُجريت للتأكد من سلامة الجهاز الهضمي لا تسريب، لا انـسـداد، هـذا يعني أن الأمعاء تعمل وأن الطفلة مستعدة لأخـذ أول قــطــرات مــن الــســوائــل، لـكـن تغذيتها مــن الآن فصاعدًًا ستكون مختلفة معدتها فقدت دورها كــ»طـاحـونـة» وتحولت إلــى مجرد أنـبـوب ناقل للطعام من الفم إلـى الأمعاء ولهذا، سيعتمد غـــذاؤهـــا عـلـى أطـعـمـة مـهـروسـة جــيــد ًًا نـاعـمـة، خـفـيـفـة، خـالـيـة مــن كــل مــا قــد يــرهــق جـهـازهـا الهضمي وسترافقها علاجات مضادة للحموضة لفترة طويلة لتجنّّب التقرحات أو الارتجاع. حتى النوم لن يعود كما كـان، ستحتاج إلى درجـة، لحماية 45 أن تنام بزاوية مائلة، قرابة رئتََيها من أي ارتجاع قد يـؤدي إلـى مضاعفات خطيرة ومع كل هذه التغييرات، يؤكد الطبيب أن هذا الطفلة ستعيش حياة «شبه طبيعية» ستذهب إلــى الـمـدرسـة، ستلعب، ستضحك، وستكون قادرًًا على ممارسة أنشطتها اليومية، ولكن وفق نمط حياة جديد بالكامل. وراء هـذه العملية المعقدة، هناك جـراح – لا تُُــقـاس جـهـوده بــادواتــه فـقـط، بـل بالسنوات الطويلة التي قضى فيها يتعلم ويتدرّّب ليصل إلى هذه اللحظة. فــــي حــــديــــثــــه، يـــكـــشـــف الـــــجـــــراح أن طــريــق التخصص في جراحة الأطفال هو مسار طويل يـبـدأ بخمس سـنـوات فـي الـجـراحـة الـعـامـة ثم سنتين من الممارسة، يليها ثلاث سنوات من التخصص الدقيق فـي جـراحـة الأطـفـال «مش كفاية إنـك تكون جــراح لازم تكون فاهم جسم الطفل مـن أول نفس لآخـر صـرخـة»، قـال هذا وهو يبتسم بتواضع تعوّّد عليه من يقف أمام الحياة والموت كل يوم. ويضيف: «الطفل ما بعرف يحكي ما بيشرح ويـــن الــوجــع مهمتي مــش بــس أفـتـح وأخـيـط، مهمتي أفهم شو صاير وأتصرف بسرعة ودقة». ورغم أهمية هذا التخصص، إلا أن عدد جراحي الأطفال في الأردن لا يتجاوز الخمسين، خمسون ملايين طفل أي 6 طبيبًًا فقط لخدمة أكثر من نـصـف ســكــان الـمـمـلـكـة، سـبـب هـــذا الـنـقـص؟ الجراح يوضح: «الناس تتجنب التخصص لأنه متعب، ودخـلـه قليل أغـلـب الأطــفــال مغط ّّين بتأمين حـكـومـي، والمستشفيات الـخـاصـة لا يــوجــد فـيـهـا عـمـل كـثـيـر للأطـــفـــال فـهـنـا يتحول الشغل لشغف، وليس لمصلحة». لكن رغم التعب يرى الطبيب أن هذه المهنة أكـبـر مـن مـجـرد وظيفة «تـحـت رهـبـان وليس أطباء لكننا نكرّّس عمرنا لهذي المهمة عندما نرى طفل يخرج من غرفة العمليات لحضن أمه هنا نشعر بأننا عملنا يستحق التعب». حين سألناه عن شعوره بعد نجاح العملية ابتسم بتواضع وقال: «أنـا جزء من فريق صحيح أني أجريت أهم خطوة بالعملية، لكن لا يمكن أن أنسب النجاح لـــي وحــــدي كـطـبـيـب الــتــخــديــر، فــريــق الـعـنـايـة الحثيثة، الممرضين، الـزملاء كلهم لهُُم فضل، فالنجاح الحقيقي لا يتحقق إلا بروح فريق». الدكتور محمد المليفي الدعجة لم ينقذ حياة فحسب، إنما صنع قصة نسج فيها الأمـل من خـيـوط العلم وربطها بالرحمة والإيــمــان، قـد لا يعلم الناس كم من التضحيات والليالي الطويلة يقضيها الأطباء مثل الدكتور محمد وهم يقاتلون من أجل لحظة بكاء طفل خرج من الخطر، لكن تلك اللحظة بالنسبة له تعني كل شيء. محمد المليفي.. قصة طبيب أردني أنقذ رضيعة بعملية من أعقد جراحات الأطفال في العالم المصدر: صفحة الطبيب الشخصية على الفيس بوك الطبيب محمد المليفي مع أحد المرضى الأطفال
RkJQdWJsaXNoZXIy NTAwOTM=